قصة العلجوم
صفحة 1 من اصل 1
قصة العلجوم
قصة العلجوم
ــــــــــــــــــــــــــ
قال دمنة:
زعموا أن غراباً كان له وكرٌ في شجرةٍ على جبلٍ؛ و كان قريباً منه جحر ثعبانٍ أسود، فكان الغراب إذا فرخ عمد الأسود إلى فراخه فأكله؛ فبلغ ذاك من الغراب و أحزنه، فشكا ذلك إلى صديق له من بنات آوى؛ و قال له:
أريد مشاورتك في أمرٍ قد عزمت عليه.
قال: و ما هو؟
قال الغراب: قد عزمت أن أذهب اليوم إلى الأسود إذا نام، فأنقر عينيه، فأفقأهما، لعلي أستريح منه.
قال ابن آوى: بئس الحيلة التي احتلت؛ فالتمس أمراً تصيب فيه بغيتك من الأسود، من غير أن تغرر بنفسك و تخاطر بها.
و إياك أن يكون مثلك مثل العلجوم الذي أراد قتل السرطان فقتل نفسه. قال الغراب: وكيف كان ذلك؟
قال ابن آوى:
زعموا أن علجوماً عشّش في أجمةٍ كبيرة السمك؛ فعاش بها ما عاش؛ ثم هرم فلم يستطع صيداً؛ فأصابه جوعٌ و جهدٌ شديدٌ؛ فجلس حزيناً يلتمس الحيلة في أمره؛ فمر به سرطانٌ، فرأى حالته و ما هو عليه من الكآبة و الحزن؛ فدنا منه و قال:
مالي أراك أيها الطائر هكذا حزيناً كئيباً؟
قال العلجوم: و كيف لا أحزن و قد كنت أعيش من صيد ما ها هنا من السمك؟
و إني قد رأيت اليوم صيادين قد مرا بهذا المكان؛ فقال أحدهما لصاحبه:
إن ها هنا سمكاً كثيراً أفلا نصيده أولاً؟
فقال الآخر: إني قد رأيت في مكان كذا سمكاً أكثر من هذا السمك، فلنبدأ بذلك، فإذا فرغنا منه جئنا إلى هذا فأفنيناه.
و قد علمت أنهما إذا فرغا مما هناك، انتهيا إلى هذه الأجمة فاصطادا ما فيها؛ فإذا كان ذلك فهو هلاكي و نفاذ مدتي.
فانطلق السرطان من ساعته إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك؛ فأقبلن إلى العلجوم فاستشرنه؛ و قلن له:
إنا أتينا لك لتشير علينا:
فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه.
قال العلجوم: أما مكابرة الصيادين فلا طاقة لي بها؛ و لا أعلم حيلةً إلا المصير إلى غديرٍ قريبٍ من ها هنا، فيه سمكٌ و مياهٌ عظيمةٌ و قصبٌ، فإن استطعن الانتقال إليه، كان فيه صلاحكن و خصبكن. فقلن له:
ما يمن علينا بذلك غيرك. فجعل العلجوم يحمل في كل يوم سمكتين حتى ينتهي بهما إلى بعض التلال فيأكلهما؛ حتى إذا كان ذات يوم جاء لأخذ السمكتين؛ فجاءه السرطان؛ فقال له:
إني أيضاً قد أشفقت من مكاني هذا و استوحشت منه فاذهب بي إلى ذلك الغدير؛ فاحتمله و طار به، حتى إذا دنا من التل الذي كان يأكل السمك فيه نظر السرطان فرأى عظام السمك مجموعةً هناك؛ فعلم أن العلجوم هو صاحبها؛ و أنه يريد به مثل ذلك. فقال في نفسه:
إذا لقي الرجل عدوه في المواطن التي يعلم أنه فيها هالك. سواءٌ قاتل أم لم يقاتل؛ كان حقيقاً أن يقاتل عن نفسه كرماً و حفاظاً، ثم أهوى بكلبتيه على عنق العلجوم، فعصره فمات؛ و تخلص السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك.
و إنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن بعض الحيلة مهلكة للمحتال و لكني أدلك على أمرٍ، إن أنت قدرت عليه، كان فيه هلاك الأسود من غير أن تهلك به نفسك، و تكون فيه سلامتك.
قال الغراب و ما ذاك؟
قال ابن آوى: تنطلق فتبصر في طيرانك: لعلك أن تظفر بشيءٍ من حلي النساء فتخطفه؛ و لا تزال طائراً واقعاً، بحيث لا تفوت العيون، حتى تأتي جحر الأسود فترمي بالحلي عنده. فإذا رأى الناس ذلك أخذوا حليهم و أراحوك من الأسود.
فانطلق الغراب محلقا في السماء؛ فوجد امرأةً من بنات العظماء فوق سطح تغتسل؛ و قد وضعت ثيابها و حليها ناحيةً؛ فانقض و اختطف من حليها عقداً، و طار به، فتبعه الناس؛ و لم يزل طائراً واقعاً، بحيث يراه كل أحدٍ؛ حتى انتهى الأمر إلى جحر الأسود؛ فألقى العقد عليه، و الناس ينظرون إليه. فلما أتوه أخذوا العقد و قتلوا الأسود. و إنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن الحيلة تجزئ مالا تجزئ القوة.
من كتاب كليلة و دمنة
لإبن المقفع
ــــــــــــــــــــــــــ
قال دمنة:
زعموا أن غراباً كان له وكرٌ في شجرةٍ على جبلٍ؛ و كان قريباً منه جحر ثعبانٍ أسود، فكان الغراب إذا فرخ عمد الأسود إلى فراخه فأكله؛ فبلغ ذاك من الغراب و أحزنه، فشكا ذلك إلى صديق له من بنات آوى؛ و قال له:
أريد مشاورتك في أمرٍ قد عزمت عليه.
قال: و ما هو؟
قال الغراب: قد عزمت أن أذهب اليوم إلى الأسود إذا نام، فأنقر عينيه، فأفقأهما، لعلي أستريح منه.
قال ابن آوى: بئس الحيلة التي احتلت؛ فالتمس أمراً تصيب فيه بغيتك من الأسود، من غير أن تغرر بنفسك و تخاطر بها.
و إياك أن يكون مثلك مثل العلجوم الذي أراد قتل السرطان فقتل نفسه. قال الغراب: وكيف كان ذلك؟
قال ابن آوى:
زعموا أن علجوماً عشّش في أجمةٍ كبيرة السمك؛ فعاش بها ما عاش؛ ثم هرم فلم يستطع صيداً؛ فأصابه جوعٌ و جهدٌ شديدٌ؛ فجلس حزيناً يلتمس الحيلة في أمره؛ فمر به سرطانٌ، فرأى حالته و ما هو عليه من الكآبة و الحزن؛ فدنا منه و قال:
مالي أراك أيها الطائر هكذا حزيناً كئيباً؟
قال العلجوم: و كيف لا أحزن و قد كنت أعيش من صيد ما ها هنا من السمك؟
و إني قد رأيت اليوم صيادين قد مرا بهذا المكان؛ فقال أحدهما لصاحبه:
إن ها هنا سمكاً كثيراً أفلا نصيده أولاً؟
فقال الآخر: إني قد رأيت في مكان كذا سمكاً أكثر من هذا السمك، فلنبدأ بذلك، فإذا فرغنا منه جئنا إلى هذا فأفنيناه.
و قد علمت أنهما إذا فرغا مما هناك، انتهيا إلى هذه الأجمة فاصطادا ما فيها؛ فإذا كان ذلك فهو هلاكي و نفاذ مدتي.
فانطلق السرطان من ساعته إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك؛ فأقبلن إلى العلجوم فاستشرنه؛ و قلن له:
إنا أتينا لك لتشير علينا:
فإن ذا العقل لا يدع مشاورة عدوه.
قال العلجوم: أما مكابرة الصيادين فلا طاقة لي بها؛ و لا أعلم حيلةً إلا المصير إلى غديرٍ قريبٍ من ها هنا، فيه سمكٌ و مياهٌ عظيمةٌ و قصبٌ، فإن استطعن الانتقال إليه، كان فيه صلاحكن و خصبكن. فقلن له:
ما يمن علينا بذلك غيرك. فجعل العلجوم يحمل في كل يوم سمكتين حتى ينتهي بهما إلى بعض التلال فيأكلهما؛ حتى إذا كان ذات يوم جاء لأخذ السمكتين؛ فجاءه السرطان؛ فقال له:
إني أيضاً قد أشفقت من مكاني هذا و استوحشت منه فاذهب بي إلى ذلك الغدير؛ فاحتمله و طار به، حتى إذا دنا من التل الذي كان يأكل السمك فيه نظر السرطان فرأى عظام السمك مجموعةً هناك؛ فعلم أن العلجوم هو صاحبها؛ و أنه يريد به مثل ذلك. فقال في نفسه:
إذا لقي الرجل عدوه في المواطن التي يعلم أنه فيها هالك. سواءٌ قاتل أم لم يقاتل؛ كان حقيقاً أن يقاتل عن نفسه كرماً و حفاظاً، ثم أهوى بكلبتيه على عنق العلجوم، فعصره فمات؛ و تخلص السرطان إلى جماعة السمك فأخبرهن بذلك.
و إنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن بعض الحيلة مهلكة للمحتال و لكني أدلك على أمرٍ، إن أنت قدرت عليه، كان فيه هلاك الأسود من غير أن تهلك به نفسك، و تكون فيه سلامتك.
قال الغراب و ما ذاك؟
قال ابن آوى: تنطلق فتبصر في طيرانك: لعلك أن تظفر بشيءٍ من حلي النساء فتخطفه؛ و لا تزال طائراً واقعاً، بحيث لا تفوت العيون، حتى تأتي جحر الأسود فترمي بالحلي عنده. فإذا رأى الناس ذلك أخذوا حليهم و أراحوك من الأسود.
فانطلق الغراب محلقا في السماء؛ فوجد امرأةً من بنات العظماء فوق سطح تغتسل؛ و قد وضعت ثيابها و حليها ناحيةً؛ فانقض و اختطف من حليها عقداً، و طار به، فتبعه الناس؛ و لم يزل طائراً واقعاً، بحيث يراه كل أحدٍ؛ حتى انتهى الأمر إلى جحر الأسود؛ فألقى العقد عليه، و الناس ينظرون إليه. فلما أتوه أخذوا العقد و قتلوا الأسود. و إنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن الحيلة تجزئ مالا تجزئ القوة.
من كتاب كليلة و دمنة
لإبن المقفع
جاروط- مشرف عام
- 3422
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى