منتدى حبيبتى الاميرة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تفسير ابن كثير ( متجدد )  600298
إن كنت من أعضاءنا الأكارم يسعدنا أن تقوم بالدخول
وان لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام الى اسرتنا
يشرفنا أن تقوم بالتسجيل
تفسير ابن كثير ( متجدد )  980591



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى حبيبتى الاميرة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تفسير ابن كثير ( متجدد )  600298
إن كنت من أعضاءنا الأكارم يسعدنا أن تقوم بالدخول
وان لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام الى اسرتنا
يشرفنا أن تقوم بالتسجيل
تفسير ابن كثير ( متجدد )  980591

منتدى حبيبتى الاميرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تفسير ابن كثير ( متجدد )

صفحة 1 من اصل 25 1, 2, 3 ... 13 ... 25  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 23, 2021 11:43 am

بسم الله الرحمن الرحيم 
  الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات  
و الصلاة و السلام على النبي الأمي و على آله و صحبه الكرام أهل العزمات 
 بإذن الله وبتوفيقه سوف اتناول معكم تفسير العالم الجليل ابن كثير في هذه الصفحات و املي ان ينفعني الله و إياكم و بتوفيقه و يتقبل منا و منكم صالح الأعمال، و أن يجعل ثواب ذلك لوالدينا و لمن له حقا علينا. 
  و سوف ابدأ معكم من سورة الفاتحة، ثم من الناس إلى البقرة، و ذلك لكثرة حفظ الناس لقصار السور 
و الله ولي التوفيق و السداد 
  و السلام
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 23, 2021 11:52 am

ابن كثير 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 1]
( بسم الله الرحمن الرحيم )

يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، و بها تفتح القراءة في الصلاة ، و يقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، و كره أنس ، و الحسن و ابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن و ابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، و قال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، و لذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن و قد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي و صححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني و القرآن العظيم و يقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . و يقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . و يقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما يدريك أنها رقية ؟ . و روى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، و سماها سفيان بن عيينة : الواقية . و سماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها و لا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، و ليس غيرها عوضا عنها . و يقال لها : سورة الصلاة و الكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . و هي مكية ، قاله ابن عباس و قتادة و أبو العالية ، و قيل مدنية ، قاله أبو هريرة و مجاهد و عطاء بن يسار و الزهري . و يقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، و مرة بالمدينة ، و الأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، و الله أعلم .
   و حكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة و نصفها الآخر نزل بالمدينة ، و هو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . و هي سبع آيات بلا خلاف ، [ و قال عمرو بن عبيد : ثمان ، و قال حسين الجعفي : ستة و هذان شاذان ] .
  و إنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة و التابعين و خلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء و الفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، و به الثقة .

قالوا : و كلماتها خمس و عشرون كلمة ، و حروفها مائة و ثلاثة عشر حرفا . 
  قال البخاري في أول كتاب التفسير : و سميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، و يبدأ بقراءتها في الصلاة و قيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته .
   قال ابن جرير : و العرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش و رايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، و استشهد بقول ذي الرمة :

على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرا

يعني : الرمح . 
  قال : و سميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، و قيل : لأن الأرض دحيت منها .

 و يقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، و افتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، و صح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، و إن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله . 
  قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب و هاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، و هي السبع المثاني ، و هي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، و قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : هي أم القرآن ، و هي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني . 
   و قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، و هي السبع المثاني و القرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .

  و قد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، و قال : كلهم ثقات .
   و روى البيهقي عن علي و ابن عباس و أبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، و أن البسملة هي الآية السابعة منها ، و سيأتي تمام هذا عند البسملة .

  و قد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ 
  قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : و اكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .

  و قد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ]. 
  و قيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح . 
   و قيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] و هذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، و الله المستعان.

  ذكر ما ورد في فضل الفاتحة

  قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلم أجبه حتى صليت و أتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ . 
 قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . 
  قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته .

و هكذا رواه البخاري عن مسدد ، و علي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . و رواه في موضع آخر من التفسير ، و أبو داود ، و النسائي ، و ابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . و رواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .

  و قد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نادى أبي بن كعب ، و هو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده على يدي ، و هو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الفرقان مثلها .
   قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟ 
  قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟
   قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هي هذه السورة ، و هي السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول و من تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، و هذا تابعي من موالي خزاعة ، و ذاك الحديث متصل صحيح ، و هذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، و الله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي بن كعب ، و هو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : و عليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي يحدثني ، و أنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ .
   قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : و الذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور ، و لا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . و رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، و عنده : إنها من السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

  و في الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه .
   و قد رواه الترمذي و النسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل مثل أم القرآن ، و هي السبع المثاني ، و هي مقسومة بيني و بين عبدي ، هذا لفظ النسائي . و قال الترمذي : حسن غريب .

  و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي ، و أنا خلفه حتى دخل رحله ، و دخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد تطهر ، فقال : عليك السلام و رحمة الله ، و عليك السلام ورحمة الله ، و عليك السلام و رحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ 
   قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، و ابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، و الله أعلم . 
   و يقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . و استدلوا بهذا الحديث و أمثاله على تفاضل بعض الآيات و السور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، و أبو بكر بن العربي ، و ابن الحصار من المالكية . و ذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، و لئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، و أبي بكر الباقلاني ، و أبي حاتم بن حبان البستي ، و يحيى بن يحيى ، و رواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .

  حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، و إن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، و سقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟ 
  قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : و ما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا و اضربوا لي بسهم .

  و قال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .

و هكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، و هو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . و في بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .

  حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، و النسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، و خواتيم سورة البقرة ، و لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . و هذا لفظ النسائي .

  و لمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قال الله عز و جل : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، و إذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - و قال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، و لعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .

  و هكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . و قد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به و في هذا السياق : فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل .

  و كذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، و قد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .

  و رواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه و أبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .

  و قال الترمذي : هذا حديث حسن ، و سألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، و عن العلاء عن أبي السائب .

  و قد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .

قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، و له ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، و إذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، و له ما بقي

و هذا غريب من هذا الوجه .

ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :

  أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، و المراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس و هكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، و أنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة و أريد بها جزء واحد منها و هو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة و المراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، و المراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، و هو اتفاق من العلماء .

  و لكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، و ذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟ 
  على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة و من وافقه من أصحابه و غيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، و احتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، و لم يعين له الفاتحة و لا غيرها ، فدل على ما قلناه .

  و القول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، و لا تجزئ الصلاة بدونها ، و هو قول بقية الأئمة : مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و أصحابهم و جمهور العلماء ؛ و احتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله و سلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج و الخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . و احتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . 
   و في صحيح ابن خزيمة و ابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن و الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، و وجه المناظرة ها هنا يطول ذكره ، و قد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله ..
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 23, 2021 11:52 am

ثم إن مذهب الشافعي و جماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة . 
   و قال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، و قال الحسن و أكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .

  و قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري و الأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] و الله أعلم .

  و قد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد و سورة في فريضة أو غيرها . و في صحة هذا نظر ، و موضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، و الله أعلم .

  الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ 
  فيه ثلاثة أقوال للعلماء :

  أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .

  و الثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة و لا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية و لا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة و لكن في إسناده ضعف . و رواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . و قد روي هذا الحديث من طرق ، و لا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و الله أعلم .

  و القول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، و لا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : 
  إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، و إذا قرأ فأنصتوا و ذكر بقية الحديث .

  و هكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود و الترمذي و النسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و إذا قرأ فأنصتوا . و قد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول و هو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، و رواية عن الإمام أحمد بن حنبل .

  و الغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، و الله أعلم .

  و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، و قرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت

الكلام على تفسير الاستعاذة

قال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، و قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

  فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، و هو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي و الإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة و المصافاة ، و يأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة و لا إحسانا و لا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه و بين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] و قال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، و قد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، و كذب ، فكيف معاملته لنا و قد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، و قال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]

  قالت طائفة من القراء و غيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، و اعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، و لدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ و ممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، و أبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .

 و روي عن أبي هريرة - أيضا - و هو غريب .

[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي و داود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، و استغربه ابن العربي . و حكى قولا ثالثا و هو الاستعاذة أولا و آخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .

  و المشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، و معنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام . 
  و الدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته و كبر قال : سبحانك اللهم و بحمدك ، و تبارك اسمك ، و تعالى جدك ، و لا إله غيرك . و يقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه و نفخه و نفثه .

  و قد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . و قد فسر الهمز بالموتة و هي الخنق ، و النفخ بالكبر ، و النفث بالشعر . كما رواه أبو داود و ابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة و أصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه و نفخه و نفثه .

  قال عمرو : و همزه : الموتة ، و نفخه : الكبر ، و نفثه : الشعر .

  و قال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، و همزه و نفخه و نفثه .

  قال : همزه : الموتة ، و نفثه : الشعر ، و نفخه : الكبر .

 و قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، و سبحان الله و بحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه و نفخه و نفثه . 
   و قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

و كذا رواه النسائي في " اليوم و الليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .
  و قد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، و أبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، و الترمذي ، و النسائي في " اليوم و الليلة ".  
   عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، و النسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : 
   استب رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : 
   إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب. 
   قال : ما هي يا رسول الله ؟ 
  قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم .
   قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، و جعل يزداد غضبا . و هذا لفظ أبي داود . 
   و قال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .

  قلت : و قد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم و بلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم . 
  قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : 
   استب رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم ، و نحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : 
   إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : 
   أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : 
   ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : 
   إني لست بمجنون .

  و قد رواه - أيضا - مع مسلم ، و أبي داود ، و النسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .

  و قد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، و موطنها كتاب الأذكار و فضائل الأعمال ، و الله أعلم .   
  و قد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه و سلم قال : يا محمد ، استعذ . 
  قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : 
   قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : 
   ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )  
  قال عبد الله : و هي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه و سلم ، بلسان جبريل . و هذا الأثر غريب ، و إنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا و انقطاعا ، و الله أعلم .

  مسألة : 
   و جمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، و حكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة و خارجها كلما أراد القراءة قال : 
   و قال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، و احتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ و هو أمر ظاهره الوجوب و بمواظبة النبي صلى الله عليه و سلم عليها ، و لأنها تدرأ شر الشيطان و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، و لأن الاستعاذة أحوط و هو أحد مسالك الوجوب .   
  و قال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلى الله عليه و سلم دون أمته . 
   و حكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة و يتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .

  مسألة :
  و قال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، و إن أسر فلا يضر ، و قال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر و جهر أبو هريرة ، و اختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : 
   هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، و رجح عدم الاستحباب ، و الله أعلم . 
   فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي و أبي حنيفة و زاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، و قال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري و الأوزاعي، و حكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، و لحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، و الأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، و الله أعلم .

  مسألة : 
   ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة و هو قول أبي حنيفة و محمد . 
  و قال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم و إن كان لا يقرأ ، و يتعوذ في العيد بعد الإحرام و قبل تكبيرات العيد ، و الجمهور بعدها قبل القراءة .

  و من لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو و الرفث ، و تطييب له و تهيؤ لتلاوة كلام الله و هي استعانة بالله و اعتراف له بالقدرة و للعبد بالضعف و العجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه و دفعه إلا الله الذي خلقه ، و لا يقبل مصانعة ، و لا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، و قال تعالى : 
   ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، و قد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، و من قتله العدو البشري كان شهيدا ، و من قتله العدو الباطني كان طريدا ، و من غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، و من قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، و لما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه و لا يراه الشيطان .

   فصل : 
   و الاستعاذة معناها : 
   هي الالتجاء إلى الله و الالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، و العياذة تكون لدفع الشر ، و اللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :

يا من ألوذ به فيما أؤمله و من أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره
و لا يهيضون عظما أنت جابره

  فصل معنى الاستعاذة

  و معنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ و لهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس و مداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، و أمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة و لا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع و لا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، و هذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : 
  ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : 
   ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، و قال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : 
   ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، و قال تعالى في سورة حم السجدة : 
   ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

  و الشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير . 
   و قيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار . 
  و منهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، و لكن الأول أصح ، و عليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن و الأغلال

فقال : أيما شاطن ، و لم يقل : أيما شائط .

  و قال النابغة الذبياني - و هو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت و الفؤاد بها رهين

  يقول : بعدت بها طريق بعيدة .

[ و قال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان و لو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . 
  و الشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ و لهذا يسمون كل ما تمرد من جني و إنسي و حيوان شيطانا ، قال الله تعالى : 
   ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . 
   و في مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : 
   يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس و الجن. 
  فقلت : أوللإنس شياطين ؟
   قال : نعم . 
   و في صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : 
  يقطع الصلاة المرأة و الحمار و الكلب الأسود .  
 فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر و الأصفر.  
 فقال : الكلب الأسود شيطان .
   و قال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، و قال :
   ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .

  و الرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : 
  ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] . 
   و قال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ]. 
   و قال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
   [ و قيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس و الربائث و الأول أشهر ] .

  " بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، و اتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ 
  على أقوال للعلماء سلفا و خلفا ، و ذلك مبسوط في غير هذا الموضع .

  و في سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم و أخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا.  
  وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . و في صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، و فيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . 
   و روى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . 
  و روى مثله عن علي و ابن عباس و غيرهما . 
 و ممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، و ابن عمر ، و ابن الزبير ، و أبو هريرة ، و علي . و من التابعين : عطاء ، و طاوس ، و سعيد بن جبير ، و مكحول ، و الزهري ، و به يقول عبد الله بن المبارك ، و الشافعي ، و أحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، و إسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . 
  و قال مالك و أبو حنيفة و أصحابهما : ليست آية من الفاتحة و لا من غيرها من السور . 
   و قال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة و ليست من غيرها ، و عنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، و هما غريبان .

  و قال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، و هذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . و حكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، و هما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . 
 هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، و كذا من قال : إنها آية من أولها ، و أما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة و السورة ، و هو مذهب طوائف من الصحابة و التابعين و أئمة المسلمين سلفا و خلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و معاوية ، و حكاه ابن عبد البر ، و البيهقي عن عمر و علي ، و نقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، و هم : أبو بكر و عمر و عثمان و علي ، و هو غريب .
   و من التابعين : عن سعيد بن جبير ، و عكرمة ، و أبي قلابة ، و الزهري ، و علي بن الحسين ، و ابنه محمد ، و سعيد بن المسيب ، و عطاء ، و طاوس ، و مجاهد ، و سالم ، و محمد بن كعب القرظي ، و أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، و أبي وائل ، و ابن سيرين ، و محمد بن المنكدر ، و علي بن عبد الله بن عباس ، و ابنه محمد ، و نافع مولى ابن عمر ، و زيد بن أسلم ، و عمر بن عبد العزيز ، و الأزرق بن قيس ، و حبيب بن أبي ثابت ، و أبي الشعثاء ، و مكحول ، و عبد الله بن معقل بن مقرن . 
  زاد البيهقي : و عبد الله بن صفوان ، و محمد ابن الحنفية .
   زاد ابن عبد البر : و عمرو بن دينار .

  و الحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، و أيضا فقد روى النسائي في سننه و ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحيهما ، و الحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، و قال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم . و صححه الدارقطني و الخطيب و البيهقي و غيرهم .

  و روى أبو داود و الترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : و ليس إسناده بذاك .

  و قد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح و في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، و يمد " الرحمن " ، و يمد " الرحيم .

  و في مسند الإمام أحمد ، و سنن أبي داود ، و صحيح ابن خزيمة ، و مستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . 
  و قال الدارقطني : إسناده صحيح .

  و روى الشافعي ، رحمه الله ، و الحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .

  و في هذه الأحاديث ، و الآثار التي أوردناها كفاية و مقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات و الروايات الغريبة ، و تطريقها ، و تعليلها و تضعيفها ، و تقريرها ، فله موضع آخر .

  و ذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، و هذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة و عبد الله بن مغفل ، و طوائف من سلف التابعين و الخلف ، و هو مذهب أبي حنيفة ، و الثوري ، و أحمد بن حنبل .

  و عند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا و لا سرا ، و احتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، و القراءة ب الحمد لله رب العالمين . و بما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه و سلم ، و أبي بكر و عمر و عثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين .
   و لمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة و لا في آخرها .
   و نحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .

  فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة و هي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة و من أسر ، و لله الحمد و المنة .

  قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بسم الله الرحمن الرحيم .
   فقال : هو اسم من أسماء الله ، و ما بينه و بين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين و بياضهما من القرب .

و هكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .

  و قد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال :
   قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنييير عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب. 
   قال ما أكتب ؟ 
  قال : باسم الله . 
  قال له عيسى : و ما باسم الله ؟ 
  قال المعلم : ماشي أدري .
   قال له عيسى : الباء بهاء الله ، و السين سناؤه ، و الميم مملكته ، و الله إله الآلهة ، و الرحمن رحمن الدنيا و الآخرة ، و الرحيم رحيم الآخرة

  و قد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، و مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، فذكره . و هذا غريب جدا ، و قد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، و الله أعلم .

  و قد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .

و قد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، و في رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : 
  أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود و غيري ، و هي بسم الله الرحمن الرحيم .

  و روى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، و سكنت الرياح ، و هاج البحر ، و أصغت البهائم بآذانها ، و رجمت الشياطين من السماء ، و حلف الله تعالى بعزته و جلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .

[ و قال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية و القرطبي و وجهه ابن عطية و نصره بحديث : فقد رأيت بضعة و ثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا و لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة و ثلاثون حرفا و غير ذلك ] .

  و قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه و سلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه و سلم ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، و قال : بقوتي صرعته ، و إذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .

  هكذا وقع في رواية الإمام أحمد و قد روى النسائي في اليوم و الليلة ، و ابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه و سلم فذكره و قال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، و لكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ و لهذا تستحب في أول كل عمل بسم الله
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 23, 2021 11:53 am

ابن كثير 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة : 2] 

  القراء السبعة على ضم الدال من قوله : ( الحمد لله و هو مبتدأ و خبر ). 
  و روي عن سفيان بن عيينة و رؤبة بن العجاج أنهما قالا الحمد لله بالنصب و هو على إضمار فعل.
  و قرأ ابن أبي عبلة : الحمد لله بضم الدال و اللام إتباعا للثاني الأول و له شواهد لكنه شاذ ، و عن الحسن و زيد بن علي : الحمد لله بكسر الدال إتباعا للأول الثاني .

  قال أبو جعفر بن جرير : معنى الحمد لله الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، و دون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، و لا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، و تمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، و غذاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، و مع ما نبههم عليه و دعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا و آخرا .

  [ و قال ابن جرير : الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه و في ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا : الحمد لله ] .

  قال : و قد قيل : إن قول القائل : ( الحمد لله ، ثناء عليه بأسمائه و صفاته الحسنى ، و قوله : الشكر لله ثناء عليه بنعمه و أياديه ، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد و الشكر مكان الآخر .

  [ و قد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق و ابن عطاء من الصوفية . و قال ابن عباس : الحمد لله كلمة كل شاكر ، و قد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل : الحمد لله شكرا ] .

  و هذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر ؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة و المتعدية ، و الشكر لا يكون إلا على المتعدية ، و يكون بالجنان و اللسان و الأركان ، كما قال الشاعر :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا

  و لكنهم اختلفوا : أيهما أعم ، الحمد أو الشكر ؟ على قولين ، و التحقيق أن بينهما عموما و خصوصا ، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه ؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة و المتعدية ، تقول : حمدته لفروسيته و حمدته لكرمه . و هو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول ، و الشكر أعم من حيث ما يقعان عليه ، لأنه يكون بالقول و العمل و النية ، كما تقدم ، و هو أخص ؛ لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية ، لا يقال : شكرته لفروسيته ، و تقول : شكرته على كرمه و إحسانه إلي . هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين ، و الله أعلم .

  و قال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا و محمدة ، فهو حميد و محمود ، و التحميد أبلغ من الحمد ، و الحمد أعم من الشكر .
   و قال في الشكر : هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف ، يقال : شكرته ، و شكرت له . و باللام أفصح .

  [ و أما المدح فهو أعم من الحمد ؛ لأنه يكون للحي و للميت و للجماد - أيضا - كما يمدح الطعام و المال و نحو ذلك ، و يكون قبل الإحسان و بعده ، و على الصفات المتعدية و اللازمة أيضا فهو أعم ] .

     ذكر أقوال السلف في الحمد

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو معمر القطيعي ، حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ، و لا إله إلا الله ، فما الحمد لله ؟ 
  فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه .

  و رواه غير أبي معمر ، عن حفص ، فقال : قال عمر لعلي ، و أصحابه عنده : لا إله إلا الله ، و سبحان الله ، و الله أكبر ، قد عرفناها ، فما الحمد لله ؟
   قال علي : كلمة أحبها [ الله ] لنفسه ، و رضيها لنفسه ، و أحب أن تقال .

  و قال علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، قال : 
  قال ابن عباس : الحمد لله كلمة الشكر ، و إذا قال العبد : الحمد لله ، قال : شكرني عبدي . رواه ابن أبي حاتم .

  و روى - أيضا - هو و ابن جرير ، من حديث بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أنه قال : الحمد لله هو الشكر لله و الاستخذاء له ، و الإقرار له بنعمه و هدايته و ابتدائه و غير ذلك .

  و قال كعب الأحبار : الحمد لله ثناء الله . و قال الضحاك : الحمد لله رداء الرحمن . و قد ورد الحديث بنحو ذلك .

  قال ابن جرير : حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني عيسى بن إبراهيم ، عن موسى بن أبي حبيب ، عن الحكم بن عمير ، و كانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا قلت : الحمد لله رب العالمين ، فقد شكرت الله ، فزادك .

  و قد روى الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا روح ، حدثنا عوف ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي ، تبارك و تعالى ؟ 
  فقال : أما إن ربك يحب الحمد .

  و رواه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن ابن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن الأسود بن سريع ، به .

  و روى الترمذي ، و النسائي و ابن ماجه ، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
   أفضل الذكر لا إله إلا الله. 
   و أفضل الدعاء الحمد لله . 
  و قال الترمذي : حسن غريب .

  و روى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : 
   ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ . 
  و قال القرطبي في تفسيره ، و في نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
   لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال : الحمد لله ، لكان الحمد لله أفضل من ذلك . 
  قال القرطبي و غيره : أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا ؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى و نعيم الدنيا لا يبقى ، قال الله تعالى :
{ المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [ الكهف : 46 ] .   
  و في سنن ابن ماجه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثهم : أن عبدا من عباد الله قال :
   يا رب ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها ، فصعدا إلى السماء فقالا: يا رب ، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها ، قال الله - و هو أعلم بما قال عبده : ماذا قال عبدي ؟
   قالا: يا رب إنه قد قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك . فقال الله لهما : اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها .

  و حكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا : قول العبد : الحمد لله رب العالمين ، أفضل من قول : لا إله إلا الله ؛ لاشتمال " الحمد لله رب العالمين " على التوحيد مع الحمد ، و قال آخرون : لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان و الكفر ، و عليها يقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه.  
  و في الحديث الآخر في السنن : أفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . 
  و قد تقدم عن جابر مرفوعا : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، و أفضل الدعاء الحمد لله . و حسنه الترمذي .

  و الألف و اللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد ، و صنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث : 
  اللهم لك الحمد كله ، و لك الملك كله ، و بيدك الخير كله ، و إليك يرجع الأمر كله. الحديث .

  رب العالمين و الرب هو : المالك المتصرف ، و يطلق في اللغة على السيد ، و على المتصرف للإصلاح ، و كل ذلك صحيح في حق الله تعالى .

  [ و لا يستعمل الرب لغير الله ، بل بالإضافة تقول : رب الدار ، رب كذا ، و أما الرب فلا يقال إلا لله عز و جل ، و قد قيل : إنه الاسم الأعظم ] .
   و العالمين : جمع عالم ، [ و هو كل موجود سوى الله عز و جل ] ، و العالم جمع لا واحد له من لفظه ، و العوالم أصناف المخلوقات [ في السماوات و الأرض ] في البر و البحر ، و كل قرن منها و جيل يسمى عالما أيضا .

  قال بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] الحمد لله الذي له الخلق كله ، السماوات و الأرضون ، و من فيهن و ما بينهن ، مما نعلم ، و ما لا نعلم .

  و في رواية سعيد بن جبير ، و عكرمة ، عن ابن عباس :
   رب الجن و الإنس .
   و كذلك قال سعيد بن جبير ، و مجاهد و ابن جريج ، و روي عن علي [ نحوه ] . 
  و قال ابن أبي حاتم : بإسناد لا يعتمد عليه .

  و استدل القرطبي لهذا القول بقوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] و هم الجن و الإنس .   
  و قال الفراء و أبو عبيدة : العالم عبارة عما يعقل و هم الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين و لا يقال للبهائم : عالم. 
   و عن زيد بن أسلم و أبي عمرو بن العلاء : كل ما له روح يرتزق .
   و ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم - و هو آخر خلفاء بني أمية و يعرف بالجعد و يلقب بالحمار - أنه قال :
   خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات و أهل الأرض عالم واحد و سائر ذلك لا يعلمه إلا الله ، عز و جل .

  و قال قتادة : رب العالمين ، كل صنف عالم .
   و قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى رب العالمين قال : 
  الإنس عالم ، و الجن عالم ، و ما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم ، أو أربعة عشر ألف عالم ، هو يشك ، من الملائكة على الأرض ، و للأرض أربع زوايا ، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم ، و خمسمائة عالم ، خلقهم [ الله ] لعبادته . رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم .

   [ و هذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح ] .

  و قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الفرات ، يعني ابن الوليد ، عن معتب بن سمي ، عن تبيع ، يعني الحميري ، في قوله : رب العالمين قال : العالمين ألف أمة فستمائة في البحر ، و أربعمائة في البر .

   [ وحكي مثله عن سعيد بن المسيب ] .

  و قد روي نحو هذا مرفوعا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده :

  حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبيد بن واقد القيسي ، أبو عباد ، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال :
   قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه ، فلم يخبر بشيء ، فاغتم لذلك ، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن ، و آخر إلى الشام ، و آخر إلى العراق ، يسأل : هل رئي من الجراد شيء أم لا ؟ 
  قال : فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد ، فألقاها بين يديه ، فلما رآها كبر ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : 
  خلق الله ألف أمة ، ستمائة في البحر و أربعمائة في البر ، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه . محمد بن عيسى هذا - و هو الهلالي - ضعيف .

  و حكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال : لله ألف عالم ؛ ستمائة في البحر و أربعمائة في البر ، و قال وهب بن منبه : لله ثمانية عشر ألف عالم ؛ الدنيا عالم منها . 
  و قال مقاتل : العوالم ثمانون ألفا .   
  و قال كعب الأحبار : لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز و جل . نقله كله البغوي ، و حكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : إن لله أربعين ألف عالم ؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها. 
   و قال الزجاج : العالم كل ما خلق الله في الدنيا و الآخرة . 
  قال القرطبي : و هذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين ، كقوله : قال فرعون و ما رب العالمين قال رب السماوات و الأرض و ما بينهما إن كنتم موقنين و العالم مشتق من العلامة ( قلت ) : لأنه علم دال على وجود خالقه و صانعه و وحدانيته كما قال ابن المعتز :

فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد و في كل شيء له آية تدل على أنه واحد
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 23, 2021 11:56 am

# ابن كثير 

  الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 3]
و قوله : ( الرحمن الرحيم ) تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن إعادته .

        # ابن كثير 

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : 4]

  قرأ بعض القراء : ملك يوم الدين و قرأ آخرون : مالك . و كلاهما صحيح متواتر في السبع .

  [ و يقال : مليك أيضا ، و أشبع نافع كسرة الكاف فقرأ : ملكي يوم الدين و قد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى ، و كلاهما صحيحة حسنة ، و رجح الزمخشري " ملك " ؛ لأنها قراءة أهل الحرمين و لقوله : 
   ( لمن الملك اليوم) 
  و قوله : ( قوله الحق وله الملك) 
  و حكي عن أبي حنيفة أنه قرأ ملك يوم الدين على أنه فعل و فاعل و مفعول ، و هذا شاذ غريب جدا ] . 
  و قد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئا غريبا حيث قال : 
  حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل ، عن أبي المطرف ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر و عثمان و معاوية و ابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون : 
  ( مالك يوم الدين) و أول من أحدث ملك مروان . 
   قلت : مروان عنده علم بصحة ما قرأه ، لم يطلع عليه ابن شهاب ، و الله أعلم .

  و قد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرؤها : ( مالك يوم الدين) و مالك مأخوذ من الملك ، كما قال :
   ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) [ مريم : 40 ]   
  و قال : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) [ الناس : 1 ، 2 ] 
  و ملك : مأخوذ من الملك كما قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 16 ] 
  و قال : ( قوله الحق وله الملك ) [ الأنعام : 73 ] 
  و قال : ( الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ الفرقان : 26 ] .

  و تخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه ، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين ، و ذلك عام في الدنيا و الآخرة ، و إنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا ، و لا يتكلم أحد إلا بإذنه ، كما قال : 
  ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ]
   و قال تعالى : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ]. 
   و قال : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .

  و قال الضحاك عن ابن عباس : ( مالك يوم الدين يقول : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما ، كملكهم في الدنيا) . 
  قال : و يوم الدين يوم الحساب للخلائق ، و هو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير و إن شرا فشر ، إلا من عفا عنه .
   و كذلك قال غيره من الصحابة و التابعين و السلف ، و هو ظاهر .

  و حكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ، ثم شرع يضعفه .

  و الظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول و ما تقدم ، و أن كلا من القائلين بهذا و بما قبله يعترف بصحة القول الآخر ، و لا ينكره ، و لكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا ، كما قال :
   ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان : 26 ] 
 و القول الثاني يشبه قوله : ( ويوم يقول كن فيكون ، [ الأنعام : 73 ] و الله أعلم .

  و الملك في الحقيقة هو الله عز و جل ؛ قال الله تعالى :
   ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام)
   و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك و لا مالك إلا الله ، و فيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يقبض الله الأرض و يطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ و في القرآن العظيم : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : ( إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) ،(وكان وراءهم ملك)،(إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا).
   و في الصحيحين : ( مثل الملوك على الأسرة ) .

  و الدين الجزاء و الحساب ؛ كما قال تعالى : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) ، و قال : ( أئنا لمدينون) أي مجزيون محاسبون.
  و في الحديث : الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت أي حاسب نفسه لنفسه ؛ كما قال عمر رضي الله عنه :
   حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، و تأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم : ( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 23, 2021 11:57 am

ابن كثير 

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : 5]

  قرأ السبعة و الجمهور بتشديد الياء من إياك. 
  و قرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر و هي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس .  
  و قرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة و تشديد الياء. 
  و قرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر :

فهياك و الأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره

   و نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب و الأعمش فإنهما كسراها و هي لغة بني أسد و ربيعة و بني تميم و قيس ] .
   العبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، و بعير معبد ، أي : مذلل.  
  و في الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة و الخضوع و الخوف .

  و قدم المفعول و هو إياك ، و كرر ؛ للاهتمام و الحصر ، أي : لا نعبد إلا إياك ، و لا نتوكل إلا عليك ، و هذا هو كمال الطاعة .   
  و الدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، و هذا كما قال بعض السلف : 
  الفاتحة سر القرآن ، و سرها هذه الكلمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] 
  فالأول تبرؤ من الشرك ، و الثاني تبرؤ من الحول و القوة ، و التفويض إلى الله عز و جل . 
  و هذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى : 
  ( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ] 
( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ] 
  ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ]. 
   و كذلك هذه الآية الكريمة : ( إياك نعبد وإياك نستعين .

  و تحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، و هو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب و حضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال :
   ( إياك نعبد وإياك نستعين) 
   و في هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، و إرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ و لهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، و هو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : 
  لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
   و في صحيح مسلم ، من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : 
   يقول الله تعالى :
   قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين ، فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : 
  ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ]
  قال : حمدني عبدي. 
   و إذا قال : ( الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ] 
   قال : أثنى علي عبدي. 
   فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] 
   قال الله : مجدني عبدي . 
   و إذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] 
   قال : هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل. 
   فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ] 
  قال : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .
   و قال الضحاك ، عن ابن عباس : إياك نعبد يعني : إياك نوحد و نخاف و نرجو يا ربنا لا غيرك و إياك نستعين على طاعتك و على أمورنا كلها .

  و قال قتادة : إياك نعبد و إياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة و أن تستعينوه على أمركم .

  و إنما قدم : ( إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، و الاستعانة وسيلة إليها ، و الاهتمام و الحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم) و الله أعلم .

  فإن قيل : فما معنى النون في قوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين) فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، و إن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام ؟ 
  و قد أجيب : بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد و المصلي فرد منهم ، و لا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه و عن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها ، و توسط لهم بخير. 
   و منهم من قال : يجوز أن تكون للتعظيم ، كأن العبد قيل له : إذا كنت في العبادة فأنت شريف و جاهك عريض فقل : ( إياك نعبد وإياك نستعين) 
 و إذا كنت خارج العبادة فلا تقل : نحن و لا فعلنا ، و لو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز و جل . 
   و منهم من قال : ألطف في التواضع من إياك أعبد ، لما في الثاني من تعظيمه نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، و لا يثني عليه كما يليق به ، و العبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى ، كما قال بعضهم :

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

و قد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته [ فقال ] الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ] 
( وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ] 
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ] 
  فسماه عبدا عند إنزاله عليه و قيامه في الدعوة و إسرائه به ، و أرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له ، حيث يقول : 
  ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 97 - 99 ] .

  و قد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم : 
   أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة ؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق و الرسالة من الحق إلى الخلق.
   قال : و لأن الله متولي مصالح عبده ، و الرسول متولي مصالح أمته و هذا القول خطأ ، و التوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ، و لم يتعرض له فخر الدين بتضعيف و لا رده .
   و قال بعض الصوفية : العبادة إما لتحصيل ثواب و رد عقاب ؛ قالوا : و هذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، و إما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، و هذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال ، قالوا : و لهذا يقول المصلي : أصلي لله ، و لو كان لتحصيل الثواب و درء العذاب لبطلت صلاته .   
  و قد رد ذلك عليهم آخرون و قالوا : كون العبادة لله عز و جل ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ، و لا أن يدفع عذابا ، كما قال ذلك الأعرابي : أما إني لا أحسن دندنتك و لا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة و أعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حولها ندندن .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 30, 2021 10:50 pm

ابن كثير

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة : 6]

اهدنا الصراط المستقيم

قراءة الجمهور بالصاد .
و قرئ : السراط و قرئ بالزاي.
قال الفراء : و هي لغة بني عذرة و بلقين و بني كلب .

لما تقدم الثناء على المسئول ، تبارك و تعالى ، ناسب أن يعقب بالسؤال ؛ كما قال : فنصفها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل و هذا أكمل أحوال السائل ، أن يمدح مسئوله ، ثم يسأل حاجته [ و حاجة إخوانه المؤمنين بقوله : ( اهدنا ] ، لأنه أنجح للحاجة و أنجع للإجابة ، و لهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل ، و قد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل و احتياجه ، كما قال موسى عليه السلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ القصص : 24 ]
و قد يتقدمه مع ذلك وصف المسئول ، كقول ذي النون :
( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 87 ]
و قد يكون بمجرد الثناء على المسئول ، كقول الشاعر :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء

و الهداية هاهنا : الإرشاد و التوفيق ، و قد تعدى الهداية بنفسها كما هنا اهدنا الصراط المستقيم فتضمن معنى ألهمنا ، أو وفقنا ، أو ارزقنا ، أو اعطنا.
( وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ]
أي : بينا له الخير و الشر ، و قد تعدى بإلى ، كقوله تعالى :
( اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) [ النحل : 121 ]
( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) [ الصافات : 23 ]
و ذلك بمعنى الإرشاد و الدلالة ، و كذلك قوله تعالى :
( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ]
و قد تعدى باللام ، كقول أهل الجنة :
( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ]
أي وفقنا لهذا و جعلنا له أهلا .
و أما الصراط المستقيم ، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير :
أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه .

و كذلك ذلك في لغة جميع العرب ، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :

أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوج الموارد مستقيم

قال : و الشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر.
قال : ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول و عمل وصف باستقامة أو اعوجاج ، فتصف المستقيم باستقامته ، و المعوج باعوجاجه .

ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف و الخلف في تفسير الصراط ، و إن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد ، و هو المتابعة لله و للرسول ؛ فروي أنه كتاب الله ، قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني يحيى بن يمان ، عن حمزة الزيات ، عن سعد ، و هو أبو المختار الطائي ، عن ابن أخي الحارث الأعور ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصراط المستقيم كتاب الله .
و كذلك رواه ابن جرير ، من حديث حمزة بن حبيب الزيات ، و قد [ تقدم في فضائل القرآن فيما ] رواه أحمد و الترمذي من رواية الحارث الأعور ، عن علي مرفوعا :
و هو حبل الله المتين.
و هو الذكر الحكيم.
و هو الصراط المستقيم .

و قد روي هذا موقوفا عن علي ، و هو أشبه ، و الله أعلم .

و قال الثوري ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم . كتاب الله ، و قيل : هو الإسلام .
و قال الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد ، عليهما السلام : قل : يا محمد ، اهدنا الصراط المستقيم . يقول : اهدنا الطريق الهادي ، و هو دين الله الذي لا عوج فيه .

و قال ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم قال : ذاك الإسلام .
و قال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، عن أبي مالك ، و عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، و عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، و عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قالوا : هو الإسلام .
و قال عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر :
( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : الإسلام ، قال : هو أوسع مما بين السماء و الأرض .
و قال ابن الحنفية في قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قال هو دين الله ، الذي لا يقبل من العباد غيره .
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم Sad اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : هو الإسلام .

و في [ معنى ] هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء ، حدثنا ليث يعني ابن سعد ، عن معاوية بن صالح : أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، حدثه عن أبيه ، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، و على جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، و على الأبواب ستور مرخاة ، و على باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ، ادخلوا الصراط جميعا و لا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب ، قال : ويحك ، لا تفتحه ؛ فإنك إن تفتحه تلجه .
فالصراط الإسلام ، و السوران حدود الله ، و الأبواب المفتحة محارم الله ، و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، و الداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم .

و هكذا رواه ابن أبي حاتم ، و ابن جرير من حديث الليث بن سعد به . و رواه الترمذي و النسائي جميعا ، عن علي بن حجر عن بقية ، عن بجير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان ، به . و هو إسناد صحيح ، و الله أعلم .

و قال مجاهد : ( اهدنا الصراط المستقيم) ، قال : الحق .
و هذا أشمل ، و لا منافاة بينه و بين ما تقدم .

و روى ابن أبي حاتم و ابن جرير ، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ؛ حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : ( اهدنا الصراط المستقيم)
قال : هو النبي صلى الله عليه و سلم ، و صاحباه من بعده ، قال عاصم : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق أبو العالية و نصح .

و كل هذه الأقوال صحيحة ، و هي متلازمة ، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه و سلم ، و اقتدى باللذين من بعده أبي بكر و عمر ، فقد اتبع الحق ، و من اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ، و من اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن ، و هو كتاب الله و حبله المتين ، و صراطه المستقيم ، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ، و لله الحمد .

و قال الطبراني : حدثنا محمد بن الفضل السقطي ، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و لهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله :
و الذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي - أعني اهدنا الصراط المستقيم - أن يكون معنيا به : وفقنا للثبات على ما ارتضيته و وفقت له من أنعمت عليه من عبادك ، من قول و عمل ، و ذلك هو الصراط المستقيم ؛ لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، فقد وفق للإسلام ، و تصديق الرسل ، و التمسك بالكتاب ، و العمل بما أمره الله به ، و الانزجار عما زجره عنه ، و اتباع منهاج النبي صلى الله عليه و سلم ، و منهاج الخلفاء الأربعة ، و كل عبد صالح ، و كل ذلك من الصراط المستقيم .

فإن قيل : كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة و غيرها ، و هو متصف بذلك ؟
فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟

فالجواب : أن لا ، و لولا احتياجه ليلا و نهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك ؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة و حالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ، و رسوخه فيها ، و تبصره ، و ازدياده منها ، و استمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة و الثبات و التوفيق ، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله ؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ، و لا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل و أطراف النهار ، و قد قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) الآية [ النساء : 136 ] ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان ، و ليس في ذلك تحصيل الحاصل ؛ لأن المراد الثبات و الاستمرار و المداومة على الأعمال المعينة على ذلك ، و الله أعلم .

و قال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا :
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
و قد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا . فمعنى قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم) استمر بنا عليه و لا تعدل بنا إلى غيره .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 30, 2021 10:51 pm

تفسير ابن كثير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : 7]
قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخرها أن الله يقول : هذا لعبدي و لعبدي ما سأل .
و قوله : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) مفسر للصراط المستقيم . و هو بدل منه عند النحاة ، و يجوز أن يكون عطف بيان ، و الله أعلم .

(والذين أنعمت عليهم ) هم المذكورون في سورة النساء ، حيث قال :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) [ النساء : 69 ، 70 ] .

و قال الضحاك ، عن ابن عباس : صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك و عبادتك ، من ملائكتك ، و أنبيائك ، و الصديقين ، و الشهداء ، و الصالحين ؛ و ذلك نظير ما قال ربنا تعالى :
( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ) الآية [ النساء : 69 ] .

و قال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) قال : هم النبيون .
و قال ابن جريج ، عن ابن عباس : هم المؤمنون .
و كذا قال مجاهد .
و قال وكيع : هم المسلمون .
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه و سلم و من معه .
و التفسير المتقدم ، عن ابن عباس أعم ، و أشمل ، والله أعلم .

و قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
[ قرأ الجمهور : غير بالجر على النعت ، قال الزمخشري : و قرئ بالنصب على الحال ، و هي قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عمر بن الخطاب ، و رويت عن ابن كثير ، و ذو الحال الضمير في ( عليهم ) و العامل : ( أنعمت ) و المعنى ]
اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم و نعتهم ، و هم أهل الهداية و الاستقامة و الطاعة لله و رسله ، و امتثال أوامره و ترك نواهيه و زواجره.
( غير صراط المغضوب عليهم) ، [ و هم ] الذين فسدت إرادتهم ، فعلموا الحق و عدلوا عنه ، و لا صراط الضالين و هم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، و أكد الكلام ب " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين ، و هما طريقتا اليهود و النصارى .

و قد زعم بعض النحاة أن ( غير ) هاهنا استثنائية ، فيكون على هذا منقطعا لاستثنائهم من المنعم عليهم و ليسوا منهم ، و ما أوردناه أولى ، لقول الشاعر :
كأنك من جمال بني أقيش يقعقع عند رجليه بشن

أي : كأنك جمل من جمال بني أقيش ، فحذف الموصوف و اكتفى بالصفة ، و هكذا ،( غير المغضوب عليهم ) أي : غير صراط المغضوب عليهم .

اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف ، و قد دل عليه سياق الكلام ، و هو قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) ثم قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ) و منهم من زعم أن ( لا ) في قوله : ( ولا الضالين ) زائدة ، و أن تقدير الكلام عنده : غير المغضوب عليهم و الضالين ، و استشهد ببيت العجاج :

في بئر لا حور سرى و ما شعر

أي في بئر حور .
و الصحيح ما قدمناه .
و لهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " فضائل القرآن " ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه :
أنه كان يقرأ : غير المغضوب عليهم و غير الضالين . و هذا إسناد صحيح ، [ و كذا حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك ] و هو محمول على أنه صدر منه على وجه التفسير ، فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بها لتأكيد النفي ، [ لئلا يتوهم أنه معطوف على الذين أنعمت عليهم ) ] ، و للفرق بين الطريقتين ، لتجتنب كل منهما ؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق و العمل به ، و اليهود فقدوا العمل ، و النصارى فقدوا العلم ؛ و لهذا كان الغضب لليهود ، و الضلال للنصارى ، لأن من علم وترك استحق الغضب ، بخلاف من لم يعلم . و النصارى لما كانوا قاصدين شيئا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه ؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه ، و هو اتباع الرسول الحق ، ضلوا ، و كل من اليهود و النصارى ضال مغضوب عليه ، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب [ كما قال فيهم :
( من لعنه الله وغضب عليه ) ] [ المائدة : 60 ]
و أخص أوصاف النصارى الضلال [ كما قال : ( قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " ] ) [ المائدة : 77 ] ، و بهذا جاءت الأحاديث و الآثار . [ و ذلك واضح بين ] . قال الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت سماك بن حرب ، يقول : سمعت عباد بن حبيش ، يحدث عن عدي بن حاتم ، قال :
جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فأخذوا عمتي و ناسا ، فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفوا له ، فقالت :
يا رسول الله ، ناء الوافد و انقطع الولد ، و أنا عجوز كبيرة ، ما بي من خدمة ، فمن علي من الله عليك.
قال : من وافدك ؟
قالت : عدي بن حاتم.
قال : الذي فر من الله و رسوله !
قالت : فمن علي ، فلما رجع ، و رجل إلى جنبه ، ترى أنه علي ، قال :
سليه حملانا ، فسألته ، فأمر لها ، قال : فأتتني
فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه ، و أتاه فلان فأصاب منه ، فأتيته فإذا عنده امرأة و صبيان أو صبي ، و ذكر قربهم من النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى و لا قيصر ، فقال :
يا عدي ، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟
فهل من إله إلا الله ؟
قال : ما أفرك أن يقال : الله أكبر ، فهل شيء أكبر من الله عز و جل ؟ .
قال : فأسلمت ، فرأيت وجهه استبشر ، و قال : المغضوب عليهم اليهود ، و إن الضالين النصارى . و ذكر الحديث ، و رواه الترمذي ، من حديث سماك بن حرب ، و قال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه .
قلت : و قد رواه حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن مري بن قطري ، عن عدي بن حاتم ، قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قول الله : ( غير المغضوب عليهم ).
قال : هم اليهود
( ولا الضالين )
قال : النصارى هم الضالون .
و هكذا رواه سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم به .
و قد روي حديث عدي هذا من طرق ، و له ألفاظ كثيرة يطول ذكرها .
و قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن بديل العقيلي ، أخبرني عبد الله بن شقيق ، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه و سلم و هو بوادي القرى ، و هو على فرسه ، و سأله رجل من بني القين ، فقال :
يا رسول الله ، من هؤلاء ؟
قال : المغضوب عليهم - و أشار إلى اليهود - و الضالون هم النصارى .
و قد رواه الجريري و عروة ، و خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، فأرسلوه ، و لم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه و سلم . و وقع في رواية عروة تسمية عبد الله بن عمر ، فالله أعلم .

و قد روى ابن مردويه ، من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي ذر قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المغضوب عليهم قال : اليهود ، [ قال ] قلت : الضالين ، قال : النصارى .
و قال السدي ، عن أبي مالك ، و عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، و عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، و عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : ( غير المغضوب عليهم ) هم اليهود ،( و لا الضالين ) هم النصارى .

و قال الضحاك ، و ابن جريج ، عن ابن عباس : ( غير المغضوب عليهم ) اليهود ، ولا الضالين ) [ هم ] النصارى .

و كذلك قال الربيع بن أنس ، و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، و غير واحد ، و قال ابن أبي حاتم : و لا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا .

و شاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم ، و النصارى ضالون ، الحديث المتقدم ، و قوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة :
( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ) [ البقرة : 90 ].
و قال في المائدة ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ) [ المائدة : 60 ].
و قال تعالى : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 78 ، 79 ] .

و في السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل ؛ أنه لما خرج هو و جماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف ، قالت له اليهود : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . فقال : أنا من غضب الله أفر .
و قالت له النصارى : إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال : لا أستطيعه . فاستمر على فطرته ، و جانب عبادة الأوثان و دين المشركين ، و لم يدخل مع أحد من اليهود و لا النصارى ، و أما أصحابه فتنصروا و دخلوا في دين النصرانية ؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك ، و كان منهم ورقة بن نوفل ، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي ، رضي الله عنه .

( مسألة ) : و الصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد و الظاء لقرب مخرجيهما ؛ و ذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان و ما يليها من الأضراس ، و مخرج الظاء من طرف اللسان و أطراف الثنايا العليا ، و لأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة و من الحروف الرخوة و من الحروف المطبقة ، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك و الله أعلم .
و أما حديث : أنا أفصح من نطق بالضاد فلا أصل له و الله أعلم .

"فصل"

اشتملت هذه السورة الكريمة و هي سبع آيات فضلها ، على حمد الله و تمجيده و الثناء عليه ، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا ، و على ذكر المعاد و هو يوم الدين ، و على إرشاده عبيده إلى سؤاله و التضرع إليه ، و التبرؤ من حولهم و قوتهم ، و إلى إخلاص العبادة له و توحيده بالألوهية تبارك و تعالى ، و تنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل ، و إلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم ، و هو الدين القويم ، و تثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة ، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين ، و الصديقين ، و الشهداء ، و الصالحين .

و اشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، و التحذير من مسالك الباطل ؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، و هم المغضوب عليهم و الضالون .
و ما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى :
( صراط الذين أنعمت عليهم )
و حذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ) و إن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة ، كما قال تعالى :
( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ) الآية [ المجادلة : 14 ] ، و كذلك إسناد الضلال إلى من قام به ، و إن كان هو الذي أضلهم بقدره ، كما قال تعالى :
( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) [ الكهف : 17 ] .
و قال : ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأعراف : 186 ] .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية و الإضلال ، لا كما تقوله الفرقة القدرية و من حذا حذوهم ، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك و يفعلونه ، و يحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ، و يتركون ما يكون فيه صريح في الرد عليهم ، و هذا حال أهل الضلال و الغي ، و قد ورد في الحديث الصحيح :
إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم . يعني في قوله تعالى : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) [ آل عمران : 7 ] ، فليس - بحمد الله - لمبتدع في القرآن حجة صحيحة ؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقا بين الهدى و الضلال ، و ليس فيه تناقض و لا اختلاف ؛ لأنه من عند الله تنزيل من حكيم حميد .

"فصل"

يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين [ مثل : يس ] ، و يقال : أمين . بالقصر أيضا [ مثل : يمين ] ، و معناه : اللهم استجب ، و الدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد و أبو داود ، و الترمذي ، عن وائل بن حجر ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قرأ : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، مد بها صوته ، و لأبي داود : رفع بها صوته ، و قال الترمذي : هذا حديث حسن .
وروي عن علي ، وابن مسعود و غيرهم .

و عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا تلا ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول ، رواه أبو داود ، و ابن ماجه ، و زاد : يرتج بها المسجد ، و الدارقطني و قال : هذا إسناد حسن .

و عن بلال أنه قال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين . رواه أبو داود . و نقل أبو نصر القشيري عن الحسن و جعفر الصادق أنهما شددا الميم من " آمين " مثل : ( آمين البيت الحرام ) [ المائدة : 2 ] .

قال أصحابنا و غيرهم : و يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، و يتأكد في حق المصلي ، و سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، و في جميع الأحوال ؛ لما جاء في الصحيحين ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه.
و لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا قال أحدكم في الصلاة : آمين ، و الملائكة في السماء : آمين ، فوافقت إحداهما الأخرى ، غفر له ما تقدم من ذنبه . [ قيل : بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان ، و قيل : في الإجابة ، و قيل : في صفة الإخلاص ] .
و في صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا : إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . يجبكم الله .
و قال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما معنى آمين ؟
قال : رب افعل .
و قال الجوهري : معنى آمين : كذلك فليكن ، و قال الترمذي : معناه : لا تخيب رجاءنا ، و قال الأكثرون : معناه : اللهم استجب لنا ، و حكى القرطبي عن مجاهد و جعفر الصادق و هلال بن كيسان : أن آمين اسم من أسماء الله تعالى، و روي عن ابن عباس مرفوعا و لا يصح ، قاله أبو بكر بن العربي المالكي .
و قال أصحاب مالك : لا يؤمن الإمام و يؤمن المأموم ، لما رواه مالك عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : و إذا قال ، يعني الإمام : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين . الحديث .
و استأنسوا - أيضا - بحديث أبي موسى : و إذا قرأ : ( ولا الضالين ) ، فقولوا : آمين .

و قد قدمنا في المتفق عليه : إذا أمن الإمام فأمنوا و أنه عليه الصلاة و السلام كان يؤمن إذا قرأ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) و قد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية حكمه ، و حاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به ، قولا واحدا ، و إن أمن الإمام جهرا فالجدير أنه لا يجهر المأموم و هو مذهب أبي حنيفة ، و رواية عن مالك ؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة .
و القديم أنه يجهر به ، ورهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، و الرواية الأخرى عن مالك كما تقدم : حتى يرتج المسجد .

رو لنا قول آخر ثالث : إنه إن كان المسجد صغيرا لم يجهر المأموم ، لأنهم يسمعون قراءة الإمام ، ورإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين من في أرجاء المسجد ، و الله أعلم .

و قد روى الإمام أحمد في مسنده ، عن عائشة ، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرت عنده اليهود ، فقال : إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها و ضلوا عنها ، و على القبلة التي هدانا الله لها و ضلوا عنها ، و على قولنا خلف الإمام : آمين ، و رواه ابن ماجه ، و لفظه :
ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام و التأمين ، و له عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول : آمين ، فأكثروا من قول : آمين و في إسناده طلحة بن عمرو ، و هو ضعيف .

و روى ابن مردويه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : آمين : خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين .
و عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أعطيت آمين في الصلاة و عند الدعاء ، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى ، كان موسى يدعو ، و هارون يؤمن ، فاختموا الدعاء بآمين ، فإن الله يستجيبه لكم .

قلت : و من هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة ، و هي قوله تعالى :
( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ) [ يونس : 88 ، 89 ] ، فذكر الدعاء عن موسى وحده ، و من سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمن ، فنزل منزلة من دعا ، لقوله تعالى : ( قد أجيبت دعوتكما ) [ يونس : 89 ] ، فدل ذلك على أن من أمن على دعاء فكأنما قاله ؛ فلهذا قال من قال : إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها ؛ و لهذا جاء في الحديث : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ، و كان بلال يقول : لا تسبقني بآمين . فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية ، و الله أعلم .

و لهذا قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا قال الإمام : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، فتوافق " آمين " أهل الأرض " آمين " أهل السماء ، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه ، و مثل من لا يقول : آمين ، كمثل رجل غزا مع قوم ، فاقترعوا ، فخرجت سهامهم ، و لم يخرج سهمه ، فقال : لم لم يخرج سهمي ؟ فقيل : إنك لم تقل : " آمين .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت يناير 30, 2021 10:52 pm

تفسير ابن كثير

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَٰهِ النَّاسِ (3)مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) } [الناس : 1؛ 2؛ 3؛4 ]
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز و جل : الربوبية ، و الملك ، و الإلهية ؛ فهو رب كل شيء و مليكه و إلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له ، مملوكة عبيد له ، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات ، من شر الوسواس الخناس ، و هو الشيطان الموكل بالإنسان ، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ، ولا يألوه جهدا في الخبال . والمعصوم من عصم الله ، وقد ثبت في الصحيح أنه : " ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينة " . قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير " وثبت في الصحيح ، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه و سلم و هو معتكف ، و خروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها ، فلقيه رجلان من الأنصار ، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه و سلم أسرعا ، فقال رسول الله :
" على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي " .
فقالا سبحان الله يا رسول الله .
فقال : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، و إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ، أو قال : شرا " .

و قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بحر ، حدثنا عدي بن أبي عمارة ، حدثنا زياد النميري ، عن أنس بن مالك قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فإن ذكر خنس ، و إن نسي التقم قلبه ، فذلك الوسواس الخناس " غريب .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
عثر بالنبي صلى الله عليه و سلم حماره ، فقلت : تعس الشيطان .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تقل : تعس الشيطان ; فإنك إذا قلت : تعس الشيطان ، تعاظم ، و قال : بقوتي صرعته ، و إذا قلت : بسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب " .
تفرد به أحمد إسناده جيد قوي ، و فيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان و غلب ، و إن لم يذكر الله تعاظم و غلب .

و قال الإمام أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن أحدكم إذا كان في المسجد ، جاءه الشيطان فأبس به كما يبس الرجل بدابته ، فإذا سكن له زنقه - أو : ألجمه " . قال أبو هريرة : و أنتم ترون ذلك ، أما المزنوق فتراه مائلا - كذا - لا يذكر الله ، و أما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز و جل .
تفرد به أحمد
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الأحد يناير 31, 2021 6:00 am

تفسير ابن كثير

( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس : 5]

هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم و الجن؟
فيه قولان و يكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا.
و قال ابن جرير و قد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.

( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : 6]

ثم بينهم فقال : ( من الجنة والناس )
و هذا يقوي القول الثاني .
و قيل قوله : ( من الجنة والناس )
تفسير للذي يوسوس في صدور الناس ، من شياطين الإنس والجن ، كما قال تعالى :
( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ].
و كما قال الإمام أحمد :
حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي ، حدثنا أبو عمر الدمشقي ، حدثنا عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر قال :
أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في المسجد ، فجلست ، فقال :
" يا أبا ذر ، هل صليت ؟ "
. قلت : لا .
قال : " قم فصل " .
قال : فقمت فصليت ، ثم جلست فقال :
" يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " .

قال : قلت : يا رسول الله ، و للإنس شياطين ؟
قال : " نعم " .
قال : قلت : يا رسول الله ، الصلاة ؟
قال : " خير موضوع ، من شاء أقل ، و من شاء أكثر " .
قلت : يا رسول الله فما الصوم ؟
قال : " فرض يجزئ ، و عند الله مزيد " .
قلت : يا رسول الله ، فالصدقة ؟
قال : " أضعاف مضاعفة " .
قلت : يا رسول الله ، أيها أفضل ؟
قال : " جهد من مقل ، أو سر إلى فقير " .
قلت : يا رسول الله ، أي الأنبياء كان أول ؟
قال : " آدم " .
قلت : يا رسول الله ، و نبي كان ؟
قال : " نعم ، نبي مكلم " .
قلت : يا رسول الله ، كم المرسلون ؟
قال : " ثلثمائة و بضعة عشر ، جما غفيرا " .
و قال مرة : " خمسة عشر " .
قلت : يا رسول الله ، أيما أنزل عليك أعظم ؟
قال : " آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )

و رواه النسائي من حديث أبي عمر الدمشقي به .
و قد أخرج هذا الحديث مطولا جدا أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، بطريق آخر ، و لفظ آخر مطول جدا ، فالله أعلم .

و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن ذر بن عبد الله الهمداني ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله ، إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به .
قال : فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " .

و رواه أبو داود والنسائي من حديث منصور - زاد النسائي ، و الأعمش - كلاهما عن ذر به .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الخميس فبراير 04, 2021 11:39 pm

تفسير ابن كثير

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : 1]

تفسير سورتي المعوذتين و هما مدنيتان .

قال الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، قال : قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود [ كان ] لا يكتب المعوذتين في مصحفه ؟
فقال : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرني أن جبريل عليه السلام ، قال له : " قل أعوذ برب الفلق " فقلتها ، قال : " قل أعوذ برب الناس " فقلتها . فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه و سلم .

و رواه أبو بكر الحميدي في مسنده ، عن سفيان بن عيينة ، حدثنا عبدة بن أبي لبابة و عاصم بن بهدلة ، أنهما سمعا زر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب عن المعوذتين ، فقلت : يا أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف . فقال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : " قيل لي : قل ، فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و قال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر قال : سألت ابن مسعود عن المعوذتين فقال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنهما فقال : " قيل لي ، فقلت لكم ، فقولوا " . قال أبي : فقال لنا النبي صلى الله عليه و سلم فنحن نقول .

و قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبدة بن أبي لبابة ، عن زر بن حبيش - و حدثنا عاصم ، عن زر - قال : سألت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا . فقال : إني سألت النبي صلى الله عليه و سلم فقال : " قيل لي ، فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه ووسلم .

و رواه البخاري أيضا و النسائي ، عن قتيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبدة و عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب به .

و قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الأزرق بن علي ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا الصلت بن بهرام ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ، و يقول : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ، و لم يكن عبد الله يقرأ بهما.

و رواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ، و يقول : إنهما ليستا من كتاب الله - قال الأعمش : و حدثنا عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : " قيل لي ، فقلت " .

و هذا مشهور عند كثير من القراء و الفقهاء : أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه و سلم ، و لم يتواتر عنده ، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة ، فإن الصحابة ، رضي الله عنهم ، كتبوهما في المصاحف الأئمة ، و نفذوها إلى سائر الآفاق كذلك ، و لله الحمد و المنة .

و قد قال مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، عن بيان ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " .

و رواه أحمد ومسلم أيضا ، والترمذي و النسائي من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عقبة به . و قال الترمذي : حسن صحيح .

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن عقبة بن عامر قال : بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه و سلم في نقب من تلك النقاب ، إذ قال لي : " يا عقبة ، ألا تركب ؟ " . قال : [ فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه . ثم قال : " يا عقيب ، ألا تركب ؟ " . قال ] فأشفقت أن تكون معصية ، قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و ركبت هنيهة ، ثم ركب ، ثم قال : " يا عقيب ، ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ " . قلت : بلى يا رسول الله . فأقرأني : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم أقيمت الصلاة ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ بهما ، ثم مر بي فقال : " كيف رأيت يا عقيب ، اقرأ بهما كلما نمت و كلما قمت " .

و رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم و عبد الله بن المبارك ، كلاهما عن ابن جابر به .

و رواه أبو داود والنسائي أيضا ، من حديث ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عقبة به .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيني و أبو مرحوم ، عن يزيد بن محمد القرشي ، عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة .

و رواه أبو داود و الترمذي و النسائي من طرق ، عن علي بن أبي رباح . و قال الترمذي : غريب .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اقرأ بالمعوذتين ، فإنك لن تقرأ بمثلهما " . تفرد به أحمد .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن عقبة بن عامر أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهديت له بغلة شهباء ، فركبها فأخذ عقبة يقودها له ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقرأ " قل أعوذ برب الفلق " . فأعادها له حتى قرأها ، فعرف أني لم أفرح بها جدا ، فقال : " لعلك تهاونت بها ؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها " .

و رواه النسائي ، عن عمرو بن عثمان ، عن بقية به . و رواه النسائي أيضا من حديث الثوري ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المعوذتين ، فذكر نحوه .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، سمعت النعمان ، عن زياد أبي الأسد ، عن عقبة بن عامر ; أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إن الناس لم يتعوذوا بمثل هذين : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن عقبة بن عامر قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " يا عقبة ، قل " . فقلت : ماذا أقول ؟ فسكت عني ، ثم قال : " قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فسكت عني ، فقلت : اللهم اردده علي . فقال : " يا عقبة ، قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ فقال : " " قل أعوذ برب الفلق " ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها ، ثم قال : " قل " . قلت : ماذا أقول يا رسول الله ؟ قال : " " قل أعوذ برب الناس " ، فقرأتها حتى أتيت على آخرها ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك : " ما سأل سائل بمثلهما ، و لا استعاذ مستعيذ بمثلهما " .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا محمد بن يسار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا معاوية ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ بهما في صلاة الصبح .

طريق أخرى : قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمران أسلم ، عن عقبة بن عامر قال : اتبعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو راكب ، فوضعت يدي على قدمه فقلت : أقرئني سورة هود أو سورة يوسف . فقال : " لن تقرأ شيئا أنفع عند الله من " قل أعوذ برب الفلق " .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا محمود بن خالد ، حدثنا الوليد ، حدثنا أبو عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي عبد الله ، عن ابن عائش الجهني : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : " يا ابن عائش ، ألا أدلك - أو : ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون ؟ " . قال : بلى ، يا رسول الله . قال : " " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " هاتان السورتان " .

فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه ، تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث .

و قد تقدم في رواية صدي بن عجلان و فروة بن مجاهد ، عنه : " ألا أعلمك ثلاث سور لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلهن ؟ " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا الجريري ، عن أبي العلاء قال : قال رجل : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر ، و الناس يعتقبون ، و في الظهر قلة ، فحانت نزلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ونزلتي ، فلحقني فضرب [ من بعدي ] منكبي ، فقال : " " قل أعوذ برب الفلق " ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقرأتها معه ، ثم قال : " " قل أعوذ برب الناس " ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قرأتها معه ، فقال : " إذا صليت فاقرأ بهما " .

الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر ، و الله أعلم .

و رواه النسائي ، عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن علية به .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن عبد الله بن سعيد ، حدثني يزيد بن رومان ، عن عقبة بن عامر ، عن عبد الله الأسلمي - هو ابن أنيس - : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وضع يده على صدره ثم قال : " قل " . فلم أدر ما أقول ، ثم قال لي : " قل " . قلت : " قل هو الله أحد " ثم قال لي : " قل " . قلت : " أعوذ برب الفلق من شر ما خلق " حتى فرغت منها ، ثم قال لي : " قل " . قلت : " قل أعوذ برب الناس " حتى فرغت منها . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " هكذا فتعوذ ، ما تعوذ المتعوذون بمثلهن قط " .

حديث آخر : قال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي أبو حفص ، حدثنا بدل ، حدثنا شداد بن سعيد أبو طلحة ، عن سعيد الجريري ، حدثنا أبو نضرة ، عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اقرأ يا جابر " . قلت : و ما أقرأ بأبي أنت و أمي ؟ قال : " اقرأ : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " . فقرأتهما ، فقال : " اقرأ بهما ، و لن تقرأ بمثلهما " .

و تقدم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقرأ بهن ، و ينفث في كفيه ، و يمسح بهما رأسه و وجهه ، و ما أقبل من جسده .

و قال الإمام مالك : عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين و ينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، و أمسح بيده عليه ، رجاء بركتها .

و رواه البخاري ، عن عبد الله بن يوسف . و مسلم ، عن يحيى بن يحيى . و أبو داود ، عن القعنبي . و النسائي ، عن قتيبة - و من حديث ابن القاسم و عيسى بن يونس - و ابن ماجه من حديث معن و بشر بن عمر ، ثمانيتهم عن مالك به .

و تقدم في آخر سورة : " ن " من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يتعوذ من أعين الجان و عين الإنسان ، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما ، و ترك ما سواهما . رواه الترمذي و النسائي وابن ماجه ، و قال الترمذي : حديث حسن .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا حسن بن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : الفلق : الصبح .

و قال العوفي عن ابن عباس : ( الفلق ) الصبح . و روي عن مجاهد ، و سعيد بن جبير ، و عبد الله بن محمد بن عقيل ، و الحسن ، و قتادة ، و محمد بن كعب القرظي ، و ابن زيد ، و مالك ، عن زيد بن أسلم ، مثل هذا .

قال القرظي و ابن زيد و ابن جرير : و هي كقوله تعالى : ( فالق الإصباح ) [ الأنعام : 96 ] .

و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( الفلق ) الخلق . و كذا قال الضحاك : أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله .

و قال كعب الأحبار : ( الفلق ) بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره ، و رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال :
حدثنا أبي ، حدثنا سهيل بن عثمان ، عن رجل سماه ، عن السدي عن زيد بن علي ، عن آبائه أنهم قالوا : ( الفلق ) جب في قعر جهنم ، عليه غطاء ، فإذا كشف عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم ، من شدة حر ما يخرج منه .

و كذا روي عن عمرو بن عبسة و السدي و غيرهم . و قد ورد في ذلك حديث مرفوع منكر ، فقال ابن جرير :
حدثني إسحاق بن وهب الواسطي ، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي ، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني ، عن شعيب بن صفوان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ( الفلق ) جب في جهنم مغطى " إسناده غريب و لا يصح رفعه .

و قال أبو عبد الرحمن الحبلي : ( الفلق ) من أسماء جهنم .

قال ابن جرير : و الصواب القول الأول ، أنه فلق الصبح . و هذا هو الصحيح ، و هو اختيار البخاري رحمه الله ، في صحيحه
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الخميس فبراير 04, 2021 11:43 pm


ابن كثير
ابن كثير


وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق : 4]
وقوله : ( ومن شر النفاثات في العقد ) قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك : يعني : السواحر - قال مجاهد : إذا رقين ونفثن في العقد .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : ما من شيء أقرب من الشرك من رقية الحية والمجانين .

وفي الحديث الآخر : أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكيت يا محمد ؟ فقال : " نعم " . فقال : بسم الله أرقيك ، من كل داء يؤذيك ، ومن شر كل حاسد وعين ، الله يشفيك .

ولعل هذا كان من شكواه ، عليه السلام ، حين سحر ، ثم عافاه الله تعالى وشفاه ، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رءوسهم ، وجعل تدميرهم في تدبيرهم ، وفضحهم ، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الدهر ، بل كفى الله وشفى وعافى .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم قال : سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما ، قال : فجاءه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عقدا في بئر كذا وكذا ، فأرسل إليها من يجيء بها . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عليا رضي الله تعالى عنه ] فاستخرجها ، فجاء بها فحللها قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه [ قط ] حتى مات .

ورواه النسائي ، عن هناد ، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير .

وقال البخاري في " كتاب الطب " من صحيحه : حدثنا عبد الله بن محمد قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أول من حدثنا به ابن جريج ، يقول : حدثني آل عروة ، عن عروة فسألت هشاما عنه ، فحدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر ، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر ، إذا كان كذا - فقال : " يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب . قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم - رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقا - وقال : وفيم ؟ قال : في مشط ومشاقة . قال : وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت رعوفة في بئر ذروان " . قالت : فأتى [ النبي صلى الله عليه وسلم ] البئر حتى استخرجه فقال : " هذه البئر التي أريتها ، وكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن نخلها رءوس الشياطين " . قال : فاستخرج . [ قالت ] . فقلت : أفلا ؟ أي : تنشرت ؟ فقال : " أما الله فقد شفاني ، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا " .

وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبي ضمرة أنس بن عياض وأبي أسامة ويحيى القطان وفيه : " قالت : حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله " . وعنده : " فأمر بالبئر فدفنت " . وذكر أنه رواه عن هشام أيضا ابن أبي الزناد والليث بن سعد .

وقد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير . ورواه أحمد عن عفان ، عن وهيب ، عن هشام به .

ورواه الإمام أحمد أيضا عن إبراهيم بن خالد ، عن رباح ، عن معمر ، عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت : لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي ، فأتاه ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر : ما باله ؟ قال : مطبوب . قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم وذكر تمام الحديث .

وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره : قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما : كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها . وكان الذي تولى ذلك رجل منهم - يقال له : [ لبيد ] بن أعصم - ثم دسها في بئر لبني زريق ، ويقال لها : ذروان ، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ، ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه . فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : ما بال الرجل ؟ قال : طب . قال : وما طب ؟ قال : سحر . قال : ومن سحره ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي . قال : وبم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة . قال : وأين هو ؟ قال : في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان - والجف : قشر الطلع ، والراعوفة : حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح - فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعورا ، وقال : " يا عائشة ، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ؟ " . ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه ، وإذا فيه وتر معقود ، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر . فأنزل الله تعالى السورتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، وجعل جبريل عليه السلام ، يقول : باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من حاسد وعين الله يشفيك . فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نأخذ الخبيث نقتله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أنا فقد شفاني الله ، وأكره أن يثير على الناس شرا " .

هكذا أورده بلا إسناد ، وفيه غرابة ، وفي بعضه نكارة شديدة ، ولبعضه شواهد مما تقدم ، والله أعلم .

جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الخميس فبراير 04, 2021 11:45 pm

تفسير ابن كثير

( وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) [الفلق : 3]

( ومن شر غاسق إذا وقب ) قال مجاهد :
غاسق الليل إذا وقب : غروب الشمس .
حكاه البخاري عنه .
و رواه ابن أبي نجيح ، عنه .
و كذا قال ابن عباس ، و محمد بن كعب القرظي ، و الضحاك ، و خصيف ، و الحسن ، و قتادة : إنه الليل إذا أقبل بظلامه .

و قال الزهري : ( ومن شر غاسق إذا وقب ) الشمس إذا غربت .
و عن عطية و قتادة : إذا وقب الليل : إذا ذهب .
و قال أبو المهزم : عن أبي هريرة : ( ومن شر غاسق إذا وقب ) كوكب .
و قال ابن زيد : كانت العرب تقول : الغاسق : سقوط الثريا ، و كان الأسقام و الطواعين تكثر عند وقوعها ، و ترتفع عند طلوعها .

قال ابن جرير : و لهؤلاء من الأثر ما حدثني : نصر بن علي ، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - ، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم : " ( ومن شر غاسق إذا وقب ) قال : النجم الغاسق " .

قلت : و هذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم .

قال ابن جرير : و قال آخرون : هو القمر .

قلت : و عمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا أبو داود الحفري ، عن ابن أبي ذئب ، عن الحارث ، عن أبي سلمة قال : قالت عائشة رضي الله عنها : أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي ، فأراني القمر حين يطلع ، و قال : " تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " .

و رواه الترمذي و النسائي في كتابي التفسير من سننيهما ، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب ، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به . و قال الترمذي : حسن صحيح . و لفظه : " تعوذي بالله من شر هذا ، فإن هذا الغاسق إذا وقب " . و لفظ النسائي : " تعوذي بالله من شر هذا ، هذا الغاسق إذا وقب " .

قال أصحاب القول الأول و هو أنه الليل إذا ولج - : هذا لا ينافي قولنا ; لأن القمر آية الليل ، و لا يوجد له سلطان إلا فيه ، و كذلك النجوم لا تضيء ، إلا في الليل ، فهو يرجع إلى ما قلناه ، و الله أعلم .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الإثنين فبراير 08, 2021 11:29 pm

تفسير ابن كثير
ــــــــــــــــــــــــــــ

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : 1]

تفسير سورة الإخلاص و هي مكية .

ذكر سبب نزولها و فضيلتها

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعد محمد بن ميسر الصاغاني ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك . فأنزل الله : " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " .

وكذا رواه الترمذي وابن جرير ، عن أحمد بن منيع - زاد ابن جرير : ومحمود بن خداش - عن أبي سعد محمد بن ميسر به - زاد ابن جرير والترمذي - قال : " الصمد " الذي لم يلد ولم يولد ، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث ، " ولم يكن له كفوا أحد " ولم يكن له شبه ولا عدل ، وليس كمثله شيء .

ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي سعد محمد بن ميسر به . ثم رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، فذكره مرسلا ولم يذكر " أخبرنا " . ثم قال الترمذي : هذا أصح من حديث أبي سعد .

حديث آخر في معناه : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر : أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : انسب لنا ربك . فأنزل الله عز وجل : " قل هو الله أحد " إلى آخرها . إسناده مقارب .

وقد رواه ابن جرير ، عن محمد بن عوف ، عن سريج فذكره . وقد أرسله غير واحد من السلف .

وروى عبيد بن إسحاق العطار ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه و سلم : انسب لنا ربك ، فنزلت هذه السورة : " قل هو الله أحد "

قال الطبراني : رواه الفريابي وغيره ، عن قيس ، عن أبي عاصم ، عن أبي وائل ، مرسلا .

ثم روى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي ، عن الوازع بن نافع ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء نسبة ، ونسبة الله : " قل هو الله أحد الله الصمد " والصمد ليس بأجوف .

حديث آخر في فضلها : قال البخاري : حدثنا محمد - هو الذهلي - ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبي هلال : أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه ، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن - وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب " قل هو الله أحد " فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سلوه : لأي شيء يصنع ذلك ؟ " . فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله تعالى يحبه " .

هكذا رواه في كتاب " التوحيد " . ومنهم من يسقط ذكر " محمد الذهلي " . ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح . وقد رواه مسلم والنسائي أيضا من حديث عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال به .

حديث آخر : قال البخاري في كتاب الصلاة : " وقال عبيد الله ، عن ثابت عن أنس قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب " قل هو الله أحد " حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة . فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى . فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم . وكانوا يرون أنه من أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره . فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ " . قال : إني أحبها . قال : " حبك إياها أدخلك الجنة " .

هكذا رواه البخاري تعليقا مجزوما به . وقد رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه ، عن البخاري ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، فذكر بإسناده مثله سواء . ثم قال الترمذي : غريب من حديث عبيد الله ، عن ثابت . قال : وروى مبارك بن فضالة ، عن ثابت عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أحب هذه السورة : " قل هو الله أحد " قال : " إن حبك إياها أدخلك الجنة " .

وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد في مسنده متصلا فقال :

حدثنا أبو النضر ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أحب هذه السورة : " قل هو الله أحد " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبك إياها أدخلك الجنة " .

حديث في كونها تعدل ثلث القرآن : قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد . أن رجلا سمع رجلا يقرأ : " قل هو الله أحد " يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن " . زاد إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : أخبرني أخي قتادة بن النعمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف والقعنبي . ورواه أبو داود ، عن القعنبي . والنسائي ، عن قتيبة ، كلهم عن مالك به . وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن مالك به .

حديث آخر : قال البخاري : حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ " .
فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟
فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " .

تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النخعي والضحاك بن شرحبيل الهمداني المشرقي ، كلاهما عن أبي سعيد ، قال القربري : سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله قال : قال أبو عبد الله البخاري : عن إبراهيم مرسل ، وعن الضحاك مسند .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله ب " قل هو الله أحد " فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " والذي نفسي بيده ، لتعدل نصف القرآن ، أو ثلثه " .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو : أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول : ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة ؟
فقالوا : وهل يستطيع ذلك أحد ؟
قال : فإن " قل هو الله أحد " ثلث القرآن .
قال : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب ، فقال : " صدق أبو أيوب " .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا يزيد بن كيسان ، أخبرني أبو حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احشدوا ، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . فحشد من حشد ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : " قل هو الله أحد " ثم دخل فقال بعضنا لبعض : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . إني لأرى هذا خبرا جاء من السماء ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إني قلت : سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن " .

وهكذا رواه مسلم في صحيحه ، عن محمد بن بشار به ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، واسم أبي حازم سلمان .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن زائدة بن قدامة ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن الربيع بن خثيم ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن امرأة من الأنصار ، عن أبي أيوب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فإنه من قرأ : " قل هو الله أحد الله الصمد " في ليلة ، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن " .

هذا حديث تساعي الإسناد للإمام أحمد .
ورواه الترمذي والنسائي ، كلاهما عن محمد بن بشار بندار - زاد الترمذي وقتيبة - كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي به . فصار لهما عشاريا . وفي رواية الترمذي : " عن امرأة أبى أيوب ، عن أبي أيوب " ، به [ وحسنه ] . ثم قال : وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مسعود . وهذا حديث حسن ، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث أحسن من رواية " زائدة " . وتابعه على روايته إسرائيل والفضيل بن عياض . وقد روى شعبة وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه .

حديث آخر : قال أحمد : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن هلال بن يساف ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب - أو : رجل من الأنصار - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ب " قل هو الله أحد " فكأنما قرأ بثلث القرآن " .

ورواه النسائي في " اليوم والليلة " ، من حديث هشيم ، عن حصين ، عن ابن أبي ليلى به . ولم يقع في روايته : هلال بن يساف .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي قيس ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن " .

وهكذا رواه ابن ماجه ، عن علي بن محمد الطنافسي ، عن وكيع به . ورواه النسائي في " اليوم والليلة " من طرق أخر ، عن عمرو بن ميمون ، مرفوعا وموقوفا .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، حدثنا بكير بن أبي السميط ، حدثنا قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن ؟ " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن أضعف من ذلك وأعجز . قال : " فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، ف " قل هو الله أحد " ثلث القرآن " .

ورواه مسلم والنسائي من حديث قتادة به .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أمية بن خالد ، حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم - ابن أخي ابن شهاب - عن عمه الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن - هو ابن عوف - عن أمه - وهي : أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن " .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن عمرو بن علي ، عن أمية بن خالد به . ثم رواه من طريق مالك ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، قوله . ورواه النسائي أيضا في " اليوم والليلة " من حديث محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن الفضيل الأنصاري ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن : أن نفرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حدثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن لمن صلى بها " .

حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة : قال الإمام مالك بن أنس ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن ، عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول : أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع رجلا يقرأ " قل هو الله أحد " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . قلت : وما وجبت ؟ قال : " الجنة " .

ورواه الترمذي والنسائي من حديث مالك . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث مالك .

وتقدم حديث : " حبك إياها أدخلك الجنة " .

حديث في تكرار قراءتها : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا قطن بن نسير ، حدثنا عيسى بن ميمون القرشي ، حدثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أما يستطيع أحدكم أن يقرأ : " قل هو الله أحد " ثلاث مرات في ليلة ، فإنها تعدل ثلث القرآن ؟ "

هذا إسناد ضعيف ، وأجود منه حديث آخر ، قال عبد الله بن الإمام أحمد :

حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن أسيد بن أبي أسيد ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه قال : أصابنا طش وظلمة ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ، فخرج فأخذ بيدي ، فقال : " قل " . فسكت . قال : " قل " . قلت : ما أقول ؟ قال : " " قل هو الله أحد " والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا ، تكفك كل يوم مرتين " .

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن أبي ذئب به . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه . وقد رواه النسائي من طريق أخرى ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر ، فذكره [ ولفظه : " يكفك كل شيء " ] .

حديث آخر في ذلك : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني الخليل بن مرة ، عن الأزهر بن عبد الله ، عن تميم الداري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله واحدا أحدا صمدا ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له كفوا أحد ، عشر مرات ، كتب له أربعون ألف ألف حسنة " .

تفرد به أحمد والخليل بن مرة : ضعفه البخاري وغيره بمرة .

حديث آخر : قال أحمد أيضا : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ " قل هو الله أحد " حتى يختمها ، عشر مرات ، بنى الله له قصرا في الجنة " . فقال عمر : إذن نستكثر يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : " الله أكثر وأطيب " . تفرد به أحمد .

ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا حيوة ، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد - قال الدارمي : وكان من الأبدال - أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ " قل هو الله أحد " عشر مرات ، بنى الله له قصرا في الجنة ، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة ، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة " . فقال عمر بن الخطاب : إذا لتكثر قصورنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أوسع من ذلك " . وهذا مرسل جيد .

حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا نصر بن علي ، حدثني نوح بن قيس ، أخبرني محمد العطار ، أخبرتني أم كثير الأنصارية ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ " قل هو الله أحد " خمسين مرة غفرت له ذنوب خمسين سنة " إسناده ضعيف .

حديث آخر : قال أبو يعلى : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا حاتم بن ميمون ، حدثنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ في يوم : " قل هو الله أحد " مائتي مرة ، كتب الله له ألفا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين " . إسناده ضعيف حاتم بن ميمون : ضعفه البخاري وغيره . ورواه الترمذي ، عن محمد بن مرزوق البصري ، عن حاتم بن ميمون به . ولفظه : " من قرأ كل يوم ، مائتي مرة : " قل هو الله أحد " محي عنه ذنوب خمسين سنة ، إلا أن يكون عليه دين " .

قال الترمذي : وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه ، ثم قرأ : " قل هو الله أحد " مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب عز وجل : يا عبدي ، ادخل على يمينك الجنة " . ثم قال : غريب من حديث ثابت وقد روي من غير هذا الوجه ، عنه .

وقال أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا حبان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ : " قل هو الله أحد " مائتي مرة ، حط الله عنه ذنوب مائتي سنة " . ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر والأغلب بن تميم ، وهما متقاربان في سوء الحفظ .

حديث آخر في الدعاء بما تضمنته من الأسماء : قال النسائي عند تفسيرها : حدثنا عبد الرحمن بن خالد ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني مالك بن مغول ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه : أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي ، يدعو يقول : اللهم ، إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد . قال : " والذي نفسي بيده ، لقد سأله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب " .

وقد أخرجه بقية أصحاب السنن من طرق ، عن مالك بن مغول ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، به . وقال الترمذي : حسن غريب .

حديث آخر في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة : قال الحافظ أبو يعلى [ الموصلي ] : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا بشر بن منصور ، عن عمر بن نبهان ، عن أبي شداد ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء ، وزوج من الحور العين حيث شاء : من عفا عن قاتله ، وأدى دينا خفيا ، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات : " قل هو الله أحد " . قال : فقال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله ؟ قال : " أو إحداهن "

حديث في قراءتها عند دخول المنزل : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري ، حدثنا محمد بن الفرج ، حدثنا محمد بن الزبرقان ، عن مروان بن سالم ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ : " قل هو الله أحد " حين يدخل منزله ، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران " . إسناده ضعيف .

حديث في الإكثار من قراءتها في سائر الأحوال : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن العلاء بن محمد الثقفي قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى بمثله ، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا جبريل ، ما لي أرى الشمس طلعت اليوم بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بمثله فيما مضى ؟ " . قال : إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي ، مات بالمدينة اليوم ، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه . قال : " وفيم ذلك ؟ " قال : كان يكثر قراءة : " قل هو الله أحد " في الليل وفي النهار ، وفي ممشاه وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه ؟ قال : " نعم " . فصلى عليه .

وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في [ كتاب ] دلائل النبوة " من طريق يزيد بن هارون ، عن العلاء أبي محمد - وهو متهم بالوضع - فالله أعلم .

طريق أخرى : قال أبو يعلى : حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي أبو عبد الله ، حدثنا عثمان بن الهيثم - مؤذن مسجد الجامع بالبصرة عندي - عن محمود أبي عبد الله ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس قال : نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : مات معاوية بن معاوية الليثي ، فتحب أن تصلي عليه ؟ قال : " نعم " . فضرب بجناحه الأرض ، فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت ، فرفع سريره فنظر إليه ، فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة ، في كل صف سبعون ألف ملك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، بم نال هذه المنزلة من الله تعالى ؟ " . قال بحبه : " قل هو الله أحد " وقراءته إياها ذاهبا وجائيا قائما وقاعدا ، وعلى كل حال .

ورواه البيهقي من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن ، عن محبوب بن هلال ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس فذكره . وهذا هو الصواب ، ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي : " ليس بالمشهور " . وقد روي هذا من طرق أخر ، تركناها اختصارا ، وكلها ضعيفة .

حديث آخر في فضلها مع المعوذتين : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معاذ بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتدأته فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، بم نجاة المؤمن ؟ قال : " يا عقبة ، احرس لسانك وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك " . قال : ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتدأني فأخذ بيدي ، فقال : " يا عقبة بن عامر ، ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة ، والإنجيل والزبور ، والقرآن العظيم ؟ " . قال : قلت : بلى ، جعلني الله فداك . قال : فأقرأني : " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم قال : " يا عقبة ، لا تنسهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن " . قال : فما نسيتهن منذ قال : " لا تنسهن " ، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن . قال عقبة ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفواضل الأعمال . فقال : " يا عقبة ، صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، وأعرض عمن ظلمك "

روى الترمذي بعضه في " الزهد " ، من حديث عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد وقال : هذا حديث حسن . وقد رواه أحمد من طريق آخر :

حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن عياش ، عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي ، عن فروة بن مجاهد اللخمي ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء . تفرد به أحمد .

حديث آخر في الاستشفاء بهن : قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا المفضل ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : "قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات .

وهكذا رواه أهل السنن ، من حديث عقيل به .

قد تقدم ذكر سبب نزولها . وقال عكرمة : لما قالت اليهود : نحن نعبد عزيرا ابن الله . وقالت النصارى : نحن نعبد المسيح ابن الله . وقالت المجوس : نحن نعبد الشمس والقمر . وقالت المشركون : نحن نعبد الأوثان - أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم : ( قل هو الله أحد )

يعني : هو الواحد الأحد ، الذي لا نظير له ولا وزير ، ولا نديد ولا شبيه ولا عديل ، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل ; لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الإثنين فبراير 08, 2021 11:29 pm

تفسير ابن كثير
#######

( اللَّهُ الصَّمَدُ ) [الإخلاص : 2]

و قوله : ( الله الصمد ) قال عكرمة ، عن ابن عباس : يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم و مسائلهم .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، و الشريف الذي قد كمل في شرفه ، و العظيم الذي قد كمل في عظمته ، و الحليم الذي قد كمل في حلمه ، و العليم الذي قد كمل في علمه ، و الحكيم الذي قد كمل في حكمته ، و هو الذي قد كمل في أنواع الشرف و السؤدد ، و هو الله سبحانه ، هذه صفته لا تنبغي إلا له ، ليس له كفء ، و ليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار .

و قال الأعمش ، عن شقيق عن أبي وائل : ( الصمد ) السيد الذي قد انتهى سؤدده، و رواه عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود مثله .

و قال مالك عن زيد بن أسلم : ( الصمد ) السيد .
و قال الحسن وقتادة : هو الباقي بعد خلقه .
و قال الحسن أيضا : ( الصمد ) الحي القيوم الذي لا زوال له .
و قال عكرمة : ( الصمد ) الذي لم يخرج منه شيء و لا يطعم .

و قال الربيع بن أنس : هو الذي لم يلد و لم يولد . كأنه جعل ما بعده تفسيرا له ، و هو قوله : ( لم يلد ولم يولد ) و هو تفسير جيد . و قد تقدم الحديث من رواية ابن جرير ، عن أبي بن كعب في ذلك ، و هو صريح فيه .

و قال ابن مسعود ، و ابن عباس ، و سعيد بن المسيب ، و مجاهد ، و عبد الله بن بريدة ، و. عكرمة أيضا ، و سعيد بن جبير ، و عطاء بن أبي رباح ، و عطية العوفي ، و الضحاك ، و السدي : ( الصمد ) الذي لا جوف له .

قال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : ( الصمد ) المصمت الذي لا جوف له .

و قال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام ، و لا يشرب الشراب .

و قال عبد الله بن بريدة أيضا : ( الصمد ) نور يتلألأ .

روى ذلك كله و حكاه : ابن أبي حاتم و البيهقي و الطبراني ، و كذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده ، و قال :
حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي ، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، حدثني صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال - لا أعلم إلا قد رفعه - قال : ( الصمد ) الذي لا جوف له .
و هذا غريب جدا ، و الصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة .

و قد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له ، بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير " الصمد " : و كل هذه صحيحة ، و هي صفات ربنا عز و جل ، و هو الذي يصمد إليه في الحوائج ، و هو الذي قد انتهى سؤدده ، و هو الصمد الذي لا جوف له ، و لا يأكل و لا يشرب ، و هو الباقي بعد خلقه .
و قال البيهقي نحو ذلك [ أيضا ] .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الأربعاء فبراير 10, 2021 11:06 pm

تفسير ابن كثير

( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : 3]

و قوله : ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) أي : ليس له ولد و لا والد و لا صاحبة .

( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص : 4]

قال مجاهد : ( ولم يكن له كفوا أحد ) يعني : لا صاحبة له .

و هذا كما قال تعالى : ( بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء ) [ الأنعام : 101 ] أي :
هو مالك كل شيء و خالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه ، أو قريب يدانيه ، تعالى و تقدس و تنزه . قال الله تعالى :
( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) [ مريم : 88 - 95 ]
و قال تعالى :
( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) [ الأنبياء : 26 ، 27 ]
و قال تعالى : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون ) [ الصافات : 158 ، 159 ]

و في الصحيح - صحيح البخاري :
" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، و هو يرزقهم و يعافيهم " .

و قال البخاري :
حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" قال الله عز و جل :
كذبني ابن آدم وولم يكن له ذلك ، و شتمني و لم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله :
لن يعيدني كما بدأني ، و ليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، و أما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، و أنا الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد " .

و رواه أيضا من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، مرفوعا بمثله . تفرد بهما من هذين الوجهين .

آخر تفسير سورة " الإخلاص "
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الخميس فبراير 11, 2021 10:14 am

تفسير ابن كثير

( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد : 1]

تفسير سورة تبت و هي مكية .

قال البخاري :
حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " . فاجتمعت إليه قريش ، فقال : " أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم تصدقوني ؟ " .
قالوا : نعم .
قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " .
فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك . فأنزل الله : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخرها .

وفي رواية :
فقام ينفض يديه ، وهو يقول : تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .

الأول دعاء عليه ، و الثاني خبر عنه . فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه و سلم و اسمه : عبد العزى بن عبد المطلب ، و كنيته أبو عتبة . و إنما سمي " أبا لهب " لإشراق وجهه ، و كان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه و سلم و البغضة له ، و الازدراء به ، و التنقص له و لدينه . .

قال الإمام أحمد :
حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال :
أخبرني رجل - يقال له : ربيعة بن عباد ، من بني الديل ، و كان جاهليا فأسلم - قال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز و هو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " و الناس مجتمعون عليه ، و وراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين ، يقول : إنه صابئ كاذب . يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب .

ثم رواه عن سريج ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، فذكره - قال أبو الزناد : قلت لربيعة : كنت يومئذ صغيرا ؟
قال : لا والله ، إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة . تفرد به أحمد .

و قال محمد بن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب ، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يتبع القبائل - و وراءه رجل أحول وضيء ، ذو جمة - يقف رسول الله صلى الله عليه و سلم على القبيلة فيقول : " يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا ، و أن تصدقوني و تمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " . و إذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات و العزى ، و حلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش ، إلى ما جاء به من البدعة و الضلالة ، فلا تسمعوا له و لا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : عمه أبو لهب .

رواه أحمد أيضا والطبراني بهذا اللفظ .

فقوله تعالى : ( تبت يدا أبي لهب ) أي : خسرت و خابت ، و ضل عمله و سعيه ( وتب ) أي : و قد تب تحقق خسارته و هلاكه.
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت فبراير 13, 2021 12:00 pm

تفسير ابن كثير


( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) [المسد : 5]

( في جيدها حبل من مسد ) يعني :
تحمل الحطب فتلقي على زوجها ، ليزداد على ما هو فيه ، و هي مهيأة لذلك مستعدة له .

( في جيدها حبل من مسد ) قال مجاهد وعروة : من مسد النار .

و عن مجاهد ، و عكرمة ، و الحسن ، و قتادة ، و الثوري ، و السدي : ( حمالة الحطب ) كانت تمشي بالنميمة ، [ و اختاره ابن جرير ] .

و قال العوفي ، عن ابن عباس ، و عطية الجدلي ، و الضحاك ، و ابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و اختاره ابن جرير .

قال ابن جرير :
و قيل : كانت تعير النبي صلى الله عليه و سلم بالفقر ، و كانت تحتطب ، فعيرت بذلك .

كذا حكاه ، و لم يعزه إلى أحد . و الصحيح الأول ، و الله أعلم .


قال سعيد بن المسيب :
كانت لها قلادة فاخرة فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار .

و قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سليم مولى الشعبي ، عن الشعبي قال : المسد : الليف .

و قال عروة بن الزبير : المسد : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا .

و عن الثوري : هو قلادة من نار ، طولها سبعون ذراعا .

و قال الجوهري : المسد : الليف . و المسد أيضا : حبل من ليف أو خوص ، و قد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ، و مسدت الحبل أمسده مسدا : إذا أجدت فتله .

و قال مجاهد : ( في جيدها حبل من مسد ) أي : طوق من حديد ، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا ؟

و قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي و أبو زرعة ، قالا : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الوليد بن كثير ، عن ابن تدرس ، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ، و لها ولولة ، و في يدها فهر ، و هي تقول :

مذمما أبينا و دينه قلينا و أمره عصينا

و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد و معه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، قد أقبلت و أنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنها لن تراني " . و قرأ قرآنا اعتصم به ، كما قال تعالى : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) [ الإسراء : 45 ] . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر و لم تر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا أبا بكر ، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟ قال : لا و رب هذا البيت ما هجاك . فولت و هي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها . قال : و: قال الوليد في حديثه أو غيره : فعثرت أم جميل في مرطها و هي تطوف بالبيت ، فقالت : تعس مذمم . فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب : إني لحصان فما أكلم ، و ثقاف فما أعلم ، و كلنا من بني العم ، و قريش بعد أعلم .

و قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد و أحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) جاءت امرأة أبي لهب و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس ، و معه أبو بكر . فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنه سيحال بيني و بينها " . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك . فقال أبو بكر : لا و رب هذه البنية ما نطق بالشعر و لا يتفوه به . فقالت : إنك لمصدق ، فلما ولت قال أبو بكر ، : ما رأتك ؟ قال : " لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت " .

ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد ، عن أبي بكر ، .

و قد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : ( في جيدها حبل من مسد ) أي : في عنقها حبل في نار [ جهنم ] ترفع به إلى شفيرها ، ثم يرمى بها إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما .

قال أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير - و قد روى ذلك - و عبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب " النبات " : كل مسد : رشاء ، و أنشد في ذلك :

و بكرة و محورا صرارا و مسدا من أبق مغارا

قال : و الأبق : القنب .

و قال الآخر :

يا مسد الخوص تعوذ مني إن تك لدنا لينا فإني

ما شئت من أشمط مقسئن

قال العلماء :
و في هذه السورة معجزة ظاهرة و دليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : ( سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ) فأخبر عنهما بالشقاء و عدم الإيمان ، لم يقيض لهما أن يؤمنا ، و لا واحد منهما لا ظاهرا و لا باطنا ، لا مسرا و لا معلنا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة .

[ آخر تفسير " تبت " و لله الحمد و المنة ]
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الإثنين فبراير 15, 2021 2:44 pm

تفسير ابن كثير
ـــــــــــــــــــــ

( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : 1]

تفسير سورة إذا جاء نصر الله و الفتح و هي مدنية .

قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن ، و " إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن .

و قال النسائي : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا جعفر ، عن أبي العميس ( ح ) و أخبرنا محمد بن سليمان ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس ، عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : قال لي ابن عباس : يا ابن عتبة ، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟
قلت : نعم ، " إذا جاء نصر الله والفتح " قال : صدقت

و روى الحافظ أبو بكر البزار و البيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي ، عن صدقة بن يسار ، عن ابن عمر قال : أنزلت هذه السورة : " إذا جاء نصر الله والفتح " على رسول الله صلى الله عليه و سلم أوسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحلت ، ثم قام فخطب الناس ، فذكر خطبته المشهورة

و قال الحافظ البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا الأسفاطي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : " إذا جاء نصر الله والفتح " دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاطمة و قال :
" إنه قد نعيت إلي نفسي " ، فبكت ثم ضحكت ، و قالت : أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ، ثم قال : " اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي " فضحكت

و قد رواه النسائي - كما سيأتي - بدون ذكر فاطمة .

قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقال :
لم يدخل هذا معنا و لنا أبناء مثله ؟
فقال عمر : إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم ، فما رؤيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم ، فقال :
ما تقولون في قول الله عز و جل : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ؟
فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله و نستغفره إذا نصرنا و فتح علينا . و سكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي :
أكذلك تقول يا ابن عباس ؟
فقلت : لا .
فقال : ما تقول ؟
فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلمه له.
قال : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فذلك علامة أجلك ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )
فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول . تفرد به البخاري.
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الثلاثاء فبراير 16, 2021 6:17 am

تفسير ابن كثير

( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)[النصر : 2]

و روى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن مهران ، عن الثوري ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، فذكر مثل هذه القصة ، أو نحوها .

و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نعيت إلي نفسي " . . بأنه مقبوض في تلك السنة . تفرد به أحمد .

و روى العوفي ، عن ابن عباس ، مثله . وهكذا قال مجاهد و أبو العالية و الضحاك و غير واحد : إنها أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم نعي إليه .

و قال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى ، حدثنا الحسين بن عيسى الحنفي ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة إذ قال : " الله أكبر ، الله أكبر! جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن " .
قيل : يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟
قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، و الفقه يمان ، و الحكمة يمانية "

ثم رواه عن ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة مرسلا .

و قال الطبراني : حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت :
( إذا جاء نصر الله والفتح ) حتى ختم السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه حين نزلت ، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : " جاء الفتح ونصر الله ، و جاء أهل اليمن " . فقال رجل :
يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟
قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، و الفقه يمان " .

و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) علم النبي صلى الله عليه و سلم أنه قد نعيت إليه نفسه ، فقيل : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) السورة كلها .

حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين : أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الآية : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال : لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه

و قال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن عون ، عن أبي العميس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعا : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) .

و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : لما نزلت هذه السورة : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ختمها ، فقال : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " .
و قال : " لا هجرة بعد الفتح ، و لكن جهاد و نية " .
فقال له مروان : كذبت - و عنده رافع بن خديج و زيد بن ثابت ، قاعدان معه على السرير - فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك ، و لكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، و هذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة . فرفع مروان عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق .

تفرد به أحمد ، و هذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم الفتح : " لا هجرة ، و لكن جهاد و نية ، و لكن إذا استنفرتم فانفروا " . أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما .

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين ، من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن و الحصون أن نحمد الله و نشكره و نسبحه ، يعني نصلي و نستغفره - معنى مليح صحيح ، و قد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات ، فقال قائلون : هي صلاة الضحى . و أجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها ، فكيف صلاها ذلك اليوم و قد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة ؟
و لهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسعة عشر يوما يقصر الصلاة و يفطر هو و جميع الجيش ، و كانوا نحوا من عشرة آلاف . قال هؤلاء : و إنما كانت صلاة الفتح ، قالوا : فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات . و هكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن ، ثم قال بعضهم : يصليها كلها بتسليمة واحدة . و الصحيح أنه يسلم من كل ركعتين ، كما ورد في سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين .
و أما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله عنهما ، من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه الكريمة ، و اعلم أنك إذا فتحت مكة - و هي قريتك التي أخرجتك - و دخل الناس في دين الله أفواجا ، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا ، فتهيأ للقدوم علينا و الوفود إلينا ، فالآخرة خير لك من الدنيا ، و لسوف يعطيك ربك فترضى.
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الثلاثاء فبراير 16, 2021 10:33 pm

تفسير ابن كثير 


( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النصر : 3]


  و لهذا قال : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .


قال النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه حين أنزلت ، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : " جاء الفتح ، و جاء نصر الله ، و جاء أهل اليمن " . 
  فقال رجل : يا رسول الله ، و ما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، و الحكمة يمانية ، و الفقه يمان " .


  و قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في ركوعه و سجوده : " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .


و أخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به .


و قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر في آخر أمره من قول : " سبحان الله و بحمده ، أستغفر الله و أتوب إليه " . 
  و قال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، و أمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده و أستغفره ، إنه كان توابا ، فقد رأيتها : ( إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )


و رواه مسلم من طريق داود - وهو ابن أبي هند - به .


و قال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص ، حدثنا عاصم ، عن الشعبي عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر أمره لا يقوم و لا يقعد ، و لا يذهب و لا يجيء ، إلا قال : " سبحان الله و بحمده " . فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر من سبحان الله و بحمده ، لا تذهب و لا تجيء ، و لا تقوم و لا تقعد إلا قلت : سبحان الله و بحمده ؟ 
  قال : " إني أمرت بها " ، فقال Sad إذا جاء نصر الله و الفتح ) إلى آخر السورة .


  غريب ، و قد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه و ألفاظه في جزء مفرد ، فيكتب هاهنا .


  و قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) كان يكثر إذا قرأها - و ركع - أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا و بحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا .


  تفرد به أحمد . 
  و رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عمرو بن مرة ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق به .


و المراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، و لم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، و لله الحمد والمنة . 
  و قد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه و قومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي . الحديث وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا : السيرة ، فمن أراد فليراجعه هناك ، ولله الحمد والمنة .


و قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال : قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس و ما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، و سيخرجون منه أفواجا " .


[ آخر تفسير سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " و لله الحمد و المنة ] .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت فبراير 20, 2021 1:39 pm

تفسير ابن كثير


( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) [الكافرون : 1]
تفسير سورة قل يا أيها الكافرون

وهي مكية .

ثبت في صحيح مسلم ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة ، وب " قل هو الله أحد " في ركعتي الطواف .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب ، بضعا وعشرين مرة - أو : بضع عشرة مرة - " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " .

وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : رمقت النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين - أو : خمسا وعشرين - مرة ، يقرأ في الركعتين قبل الفجر ، والركعتين بعد المغرب ب " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " .

وقال أحمد : حدثنا أبو أحمد - هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري - ، حدثنا سفيان - هو الثوري - ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد عن ابن عمر قال : رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا ، وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر ب " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " .

وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث أبي أحمد الزبيري ، وأخرجه النسائي من وجه آخر ، عن أبي إسحاق به ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

وقد تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن ، و " إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق عن فروة ابن نوفل - هو ابن معاوية - عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " هل لك في ربيبة لنا تكفلها ؟ " قال : أراها زينب . قال : ثم جاء فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، قال : " ما فعلت الجارية ؟ " قال : تركتها عند أمها . قال : " فمجيء ما جاء بك ؟ " قال : جئت لتعلمني شيئا أقوله عند منامي . قال : " اقرأ : " قل يا أيها الكافرون " ثم نم على خاتمتها ، فإنها براءة من الشرك " . تفرد به أحمد .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو القطراني ، حدثنا محمد بن الطفيل ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن جبلة بن حارثة - وهو أخو زيد بن حارثة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ : " قل يا أيها الكافرون " حتى تمر بآخرها ، فإنها براءة من الشرك " [ والله أعلم وهو حسبي ونعم الوكيل ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن فروة بن نوفل عن الحارث بن جبلة قال : قلت : يا رسول الله ، علمني شيئا أقوله عند منامي . قال : " إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ : " قل يا أيها الكافرون " فإنها براءة من الشرك " .

وروى الطبراني من طريق شريك ، عن جابر ، عن معقل الزبيدي ، عن [ عباد أبي الأخضر ، عن خباب ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قرأ : " قل يا أيها الكافرون " حتى يختمها .

هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون ، وهي آمرة بالإخلاص فيه ، فقوله : ( قل يا أيها الكافرون ) شمل كل كافر على وجه الأرض ، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش .

وقيل : إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة ، ويعبدون معبوده سنة ، فأنزل الله هذه السورة ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية.
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الأربعاء مارس 03, 2021 3:17 pm

تفسير ابن كثير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) [الكافرون : 2]

يعني من الأصنام والأنداد.

( وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) [الكافرون : 3]

و هو الله وحده لا شريك له.

( وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ) [الكافرون : 4]

فما ههنا بمعنى من قال "ولا أنا عابد ما عبدتم و لا أنتم عابدون ما أعبد" أي و لا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها و لا أقتدي بها و إنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه و يرضاه.

( وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) [الكافرون : 5]

و لهذا قال :
( ولا أنتم عابدون ما أعبد )
أي : لا تقتدون بأوامر الله و شرعه في عبادته ، بل قد اخترعتم شيئا من تلقاء أنفسكم ، كما قال :
( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) [ النجم : 23 ]
فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه ، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده ، و عبادة يسلكها إليه ، فالرسول و أتباعه يعبدون الله بما شرعه، و لهذا كان كلمة الإسلام " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله "
أي : لا معبود إلا الله و لا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ، و المشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله.

( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : 6]

قال لهم الرسول صلى الله عليه و سلم :
( لكم دينكم ولي دين ) كما قال تعالى :
( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ]
وقال : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) [ القصص : 55 ] .

وقال البخاري :
يقال : ( لكم دينكم ) الكفر ( ولي دين ) الإسلام . ولم يقل : " ديني " لأن الآيات بالنون ، فحذف الياء ، كما قال : ( فهو يهدين ) [ الشعراء : 78 ] و ( يشفين ) [ الشعراء : 80 ]
و قال غيره :
لا أعبد ما تعبدون الآن ، و لا أجيبكم فيما بقي من عمري ، و لا أنتم عابدون ما أعبد ، و هم الذين قال :
( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) [ المائدة : 64 ] .

انتهى ما ذكره .

و نقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد ، كقوله :
( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) [ الشرح : 5 ، 6 ]
و كقوله : ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) التكاثر : 6 ، 7 ]
و حكاه بعضهم - كابن الجوزي ، وغيره - عن ابن قتيبة ، فالله أعلم .
فهذه ثلاثة أقوال :
أولها ما ذكرناه أولا .
الثاني : ما حكاه البخاري و غيره من المفسرين أن المراد :
( لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في الماضي ( ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في المستقبل .
الثالث : أن ذلك تأكيد محض .

و ثم قول رابع ، نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه ، و هو أن المراد بقوله :
( لا أعبد ما تعبدون ) نفي الفعل لأنها جملة فعلية ( ولا أنا عابد ما عبدتم ) نفي قبوله لذلك بالكلية ; لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل ، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا .
و هو قول حسن أيضا ، و الله أعلم .

و قد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي و غيره بهذه الآية الكريمة :
( لكم دينكم ولي دين ) على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى ، و بالعكس ; إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به ; لأن الأديان - ما عدا الإسلام - كلها كالشيء الواحد في البطلان .
و ذهب أحمد بن حنبل و من وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود و بالعكس ; لحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " .

آخر تفسير سورة " قل يا أيها الكافرون " و لله الحمد و المنة .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط الأربعاء مارس 03, 2021 3:19 pm

تفسير ابن كثير
ـــــــــــــــــــــــــــــ

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : 1]

تفسير سورة الكوثر و هي مدنية ، و قيل : مكية .

قال الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال :
أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسما ، إما قال لهم و إما قالوا له : لم ضحكت ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إنه أنزلت علي آنفا سورة " .
فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم: ( إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها ، قال : " هل تدرون ما الكوثر ؟ ".
قالوا : الله و رسوله أعلم .
قال : " هو نهر أعطانيه ربي عز و جل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول : يا رب ، إنه من أمتي .
فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " .

هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، و هذا السياق .

و قد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر ، و أن عليه آنية عدد نجوم السماء . و قد روى هذا الحديث مسلم و أبو داود و النسائي من طريق محمد بن فضيل و علي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس .
و لفظ مسلم قال :
" بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال : " أنزلت علي آنفا سورة " ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ "
قلنا : الله و رسوله أعلم .
قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز و جل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي .
فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " .

وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها .

فأما قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة .
وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أنس فقال : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، و لم يشق شقا ، و إذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسكه ذفرة ، و إذا حصاه اللؤلؤ "

و قال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " دخلت الجنة فإذا أنا بنهر ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز و جل " .

و رواه البخاري في صحيحه ، و مسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : لما عرج بالنبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء قال : " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا الكوثر " . وهذا لفظ البخاري رحمه الله .

و قال ابن جرير : حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن هلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ و زبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك . قال : " يا جبريل ، ما هذا النهر ؟
قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربك " .

وقد تقدم [ في ] حديث الإسراء في سورة " سبحان " ، من طريق شريك ، عن أنس [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو مخرج في الصحيحين .

وقال سعيد ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقال الملك الذي معه : أتدري ما هذا ؟
هذا الكوثر الذي أعطاك الله .
و ضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك " وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم ، عن قتادة به .

وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا أبو أيوب العباسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الله ، ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، [ ماؤه ] أبيض من اللبن ، و أحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها " .

وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟
قال : " نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " . قال عمر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها يا عمر " .

رواه ابن جرير ، من حديث الزهري ، عن أخيه عبد الله ، عن أنس : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء .

وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن عائشة قال : سألتها عن قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قالت : نهر [ عظيم ] أعطيه نبيكم صلى الله عليه و سلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم .

ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف ، عن أبي إسحاق .

ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مجوف . وقال إسرائيل : نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء .

وحدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية عن شقيق - أو مسروق - قال : قلت لعائشة : يا أم المؤمنين ، حدثيني عن الكوثر . قالت : نهر في بطنان الجنة .
قلت : وما بطنان الجنة ؟
قالت : وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت .

وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح عن عائشة قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه .

وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات : " عن رجل ، عنها " . ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم .

قال السهيلي : ورواه الدارقطني مرفوعا ، من طريق مالك بن مغول ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ؟
فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .

ورواه أيضا من حديث هشيم ، عن أبي بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير .

[ وقال الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير ] .

وهذا التفسير يعم النهر وغيره ; لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر ، كما قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحارب بن دثار ، والحسن بن أبي الحسن البصري . حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة .

وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن ، وثواب الآخرة .

وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا ، فقال ابن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل .

وروى العوفي ، عن ابن عباس نحو ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .

وكذا رواه الترمذي ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا . وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال . . . وقال عطاء [ بن السائب ] ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " .

وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير ، من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب به مرفوعا ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير . فقال : صدق والله إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عمر قال : لما نزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " .

وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت : خرج يا نبي الله آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ; أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل ، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان ، وزبرجد ولؤلؤ " .

حرام بن عثمان ضعيف . ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض [ ولنذكرها هاهنا ] .

وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة . وقال عطاء : هو حوض في الجنة .
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير ابن كثير ( متجدد )  Empty رد: تفسير ابن كثير ( متجدد )

مُساهمة من طرف جاروط السبت مارس 06, 2021 2:07 am

تفسير ابن كثير
ــــــــــــــــــــــــ

( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر : 2]

وقوله : ( فصل لربك وانحر ) أي :
كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته - فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك ، فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له .
كما قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) [ الأنعام : 162 ، 163 ]

قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن :
يعني بذلك نحر البدن ونحوها .
وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني و الحكم وإسماعيل بن أبي خالد ، وغير واحد من السلف .
وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله ، والذبح على غير اسمه ، كما قال تعالى :
( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) الآية [ الأنعام : 121 ] .

وقيل : المراد بقوله : ( وانحر ) وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر . يروى هذا عن علي ، ولا يصح . وعن الشعبي مثله .

وعن أبي جعفر الباقر : ( وانحر ) يعني : ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة .

وقيل : ( وانحر ) أي : استقبل بنحرك القبلة . ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير .

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا ، فقال : حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي - سنة خمس وخمسين ومائتين - حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي ، حدثنا مقاتل بن حيان ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) قال رسول الله : " يا جبريل ، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " فقال : ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة .

وهكذا رواه الحاكم في المستدرك ، من حديث إسرائيل بن حاتم به .

وعن عطاء الخراساني : ( وانحر ) أي : ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل ، وأبرز نحرك ، يعني به الاعتدال . رواه ابن أبي حاتم .

[ كل هذه الأقوال غريبة جدا ] والصحيح القول الأول ، أن المراد بالنحر ذبح المناسك ; ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول :
" من صلى صلاتنا ، ونسك نسكنا ، فقد أصاب النسك . ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له " .
فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله ، إني نسكت شاتي قبل الصلاة ، وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم .
قال : " شاتك شاة لحم " .
قال : فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين ، أفتجزئ عني ؟
قال : " تجزئك ، ولا تجزئ أحدا بعدك " .

قال أبو جعفر بن جرير : والصواب قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ; شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير ، الذي لا كفاء له ، وخصك به .

وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى : محمد بن كعب القرظي وعطاء.
جاروط
جاروط
مشرف عام
مشرف عام

ذكر 3265
تاريخ الميلاد : 10/02/1962
تاريخ التسجيل : 05/11/2014
العمر : 62

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 25 1, 2, 3 ... 13 ... 25  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى